الحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وأصحابه إلى يوم الفصل والدين. أما بعد فإنَّ النجاسةَ إذا كانت عينيةً أى ما زال عينُها موجودًا على المحل أى طعمها أو لونها أو ريحها، فإنّ المحلَ لا يطهرُ فى هذه الحالِ حتى يُغْسَلَ الموضعُ بالماءِ المطهّـِرِ. يعنى لا يطهُرُ المحلُّ بإزالتِها بالترابِ مثلًا أو بوضعِهَا فى الشمسِ ولو زالتِ الأوصاف. إنما يُغْسَلُ الموضِعُ بالماءِ حتى يَزُولَ العينُ والوصفُ.
وأما النجاسةُ الحكميةُ وهي التى لا يُدْرَك لها لونٌ أو طعمٌ أو ريحٌ تُزالُ بِجَرْىِ الماءِ عليها. شرحُ ذلك أنَّ النجاسةَ إذا جاءَت على موضعٍ ثم زالت عينُهَا وأوصافُهَا لكن لا بالماء، فإنّ هذا الموضعَ يبقى مُتَنَجّـِسًا لأنّ العينَ والوصفَ زالا بغير الماء. وتُسمى هذه النجاسةُ نجاسةً حكمية، يعنى أنَّ عينَ النجاسةِ لم تعد موجودة على الموضِع لكن حكمُ الموضِع أنه مُتَنَجّس، فيكفِى لتطهيرِه غَسْلُهُ مرةً واحِدة بالماء.
وأما النجاسةُ الكَلْبِيَّةُ تُزال بغَسْلِهَا سَبْعًا إحدَاهُنَّ ممزوجةً بالترابِ الطَّهور. يعني أَنَّ تَطْهيرَ الموضع من النجاسةِ الكلبية لا يكفى فيه الغَسْلُ مرةً واحدة. بل لا بُد من غَسْلِ الموضِعِ سَبْعَ مَرَّات، إحدى الغَسَلات يكونُ الماءُ فيها مخلوطًا بالتراب. يُصَبُّ الماء على الموضِع حتى تزولَ عينُ النجاسة، وعندَ ذلك يُعْتَبَرُ كلُّ ما صبَّه غَسْلَةً واحدة (فلو احتاج أن يَصُبَّ عشرَ مراتٍ حتى تزولَ العين تُعْتَبَر هذه العشرةُ مرَّة واحدة)، ويبقى عليه أن يَغْسِلَ سِتَّ غَسَلاتٍ أُخرى. ولا بُد أن يخلِطَ الماءَ بالترابِ فى واحدةٍ من هذهِ الغسَلاتِ السبعِ أى بحيثُ يتغيرُ لونُ الماءِ بهذا التراب. والأفضلُ أن يكونَ ذلكَ فى الغسلةِ الأولى. والمرادُ بالنجاسةِ الكلبيةِ نجاسةُ الكلبِ والخنزيرِ كِلَيْهِمَا، وهذا يَشْمَلُ ملامسةِ الكلبِ والخنـزيرِ مع البللِ وريقَهُمَا وبولَهُمَا ورَوثَهُمَا وسائِرَ أجزائهما.
وهنا تنبيه مهم: لإزالةِ النجاسَةِ عن موضع بماءٍ قليل لا بد من أن يَجْرِىَ الماءُ على الموضع أى لا بد من أن يكون الماءُ واردًا على الموضع. أما لو وَضَعَ النجاسةَ فى الماء القليل فهذا لا يُطَهّرُ الموضع إنما يُنَجّسُ الماء. مثلُ إنسان كان على ثوبِه نجاسة فَغَمَسَ الثوبَ مع الموضعِ المتنجسِ فى ماءٍ قليلٍ ثم نَزَعَ الثوبَ من الماء وقد ذهبت عينُ النجاسةِ أى وطعمُهَا ولونُها وريحُها. فى هذه الحال هذا الثوب لم يطهُر، بل كُلُّ ما انغمسَ منه فى الماءِ صارَ نجسًا مع الماءِ الذى فى الإناء، لأن النجاسةَ فى هذه الحالِ وردت على الماءِ القليلِ وليس الماءُ هو الذى وردَ عليها. أما إذا كان الماءُ كثيرًا فلا يتأثر، طالما أنّ الماء لم يتغير. فإذا أُزِيلَت عين النجاسة وأوصافُ النجاسة بإِيراد الماء على النجاسة أو بوضعِ الشىء المتنجس فى الماء الكثير يَطهُرُ الموضع المتنجس فى الحالين. والماء القليل هو ما كان أقل من مائةٍ وخمسٍ وتسعين ليترٍ تقريبًا. وفي الختام نسأل الله تعالى أن يتقبّلَ منّا صالح أعمالنا وأن يمُنّ علينا بتوبةٍ نصوحا وأن يوفقنا لما يحبُه ويرضاه وأن يتجاوزَ عن سيئاتنا ويغفرَ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرنا والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.