الحمد لله الذي أنار الوجودَ بطَلعةِ خير البرية والصلاة والسلام على صاحبِ المراتبِ العلية وعلى آله وصحبه أهلِ الفضلِ والصِدقِ والأخلاقِ الرضية. أما بعد يجبُ على كُلِّ مكلَّفٍ أَداءُ جميعِ ما أوجَبَهُ الله عليهِ. ويجبُ عليه أنْ يُؤَدِّيَهُ على مَا أَمَرَهُ الله بِهِ مِنَ الإِتْيَانِ بأَرْكانِهِ وشُروطِهِ يعنى معَ تطبيقِ الأركانِ والشروطِ، ولا يكفى مجردُ القيامِ بصُوَرِ الأعمالِ مع الإخلالِ ببعضِ الشروطِ أو الأركان. ويجبُ أنْ يجتَنِبَ الشخصُ مُبطلاتِ هذه الواجبات، وإلا يكونُ داخِلًا تحتَ حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: “رُبَّ قائِمٍ حَظُّهُ من قيامِهِ السَّهَرُ ورُبَّ صَائِمٍ حظُّهُ من صيامِه الجوعُ والعَطَشُ “. رواه ابنُ حبان. يُعْلَم من ذلك أَهَميةُ تَعَلُّمِ عِلمِ الدّين، لأنَّ مَنْ لم يتعلم الكفايةَ من هذا العلم كيف يعرفُ ما هى الشروطُ وما هى الأركانُ وما هى المبطلاتُ حتى يُؤدّىَ الشروطَ والأركانَ ويجتنبَ المبطلات؟
ويجبُ على كُلِّ مكلَّفٍ أَمْرُ مَنْ رَءَاهُ تَارِكَ شىءٍ من الفرائض أو يأتى بها على غير وَجْهِهَا بالإتيانِ بِهَا على وَجْهِهَا. الشخصُ إذا عَرَفَ مِنْ إنسانٍ أنَّه تَرَكَ فرضًا من فرائضِ الله تبارك وتعالى يجبُ عليهِ أن يأمُرَه بأداءِ هذا الفرض. أو إنْ عَرَفَ أنه يأتى به على غيرِ وجهِه الذى يَصِحُّ بِهِ يجبُ عليه أن يأمرَه بالإتيانِ به على الوجهِ الذى يصِح به. هذا إذا كان الشخصُ يُخِلُّ بفرضٍ مجمَعٍ على فرضيتهِ أو يتركُ شرطًا مجمعًا عليه.
ثم مَنْ عَلِمَ بمنكر وكان يستطيعُ أنْ يُغَيّـِرَ هذا المنكر بلسانه فعليه أن يفعل. كأن كان يعرف أنه إذا نصحَ هذا الإنسان الذى يأتـى هذا المنكر يَرْتَدِعُ هذا الإنسان. هنا يجبُ عليهِ ذلك. فإنْ كان فاعلُ المنكرِ لا يستَمِعُ للنصيحةِ وكان الشخصُ قادِرًا على قهرِهِ يجبُ عليهِ ذلك، يَقْهَرُهُ حتى يترُك المنكرَ الذى يفعَلُهُ، وهذا لحديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ رأى مِنْكُم مُنْكَرًا -يعنى من عَلِمَ منكم بمنكر- فَليُغَيّرْهُ بيدِه فإنْ لم يستَطِع فبلسانِه فإن لم يستَطِعْ فبقلبِهِ وذلكَ أضعَفُ الإيمان”، رواه البخارى. فمَنْ عَرَفَ بمنكرٍ فَغَيَّرَهُ بيدِه فهو سالم، فإِنْ عَجَزَ تَكَلَّمَ بلسانِهِ، إما يُكَلّـِمُ من يفعلُ المنكرَ أو إن كانَ لا يقبلُ منه يُكلِمُ إنسانًا يَعرفُ أنه يَقبلُ منه لِيُكَلّـِمَهُ، فإنْ فعَلَ ذلكَ فهو سالم. فإن عجزَ عن الأمرين القهرِ والأمرِ يجبُ أن يُنكرَ بقلبِهِ، فإن فعلَ ذلك فهو سالم. أما إذا لم يُنكر بقلبِهِ عند العجزِ عن القهرِ والأمرِ فهو ءاثِم. وإنكارُ المنكر بالقلب معناه أن يكرهَ هذا المنكر بقلبه. وما ذكرناه عن القهرِ والأمر مُقَـيَّدٌ بأن لا يكونَ هذا القهرُ أو الأمرُ يؤدِى إلى مُنكرٍ أعظمَ وإلا حَرُمَ. لأنَّ مِنْ شَرْطِ إنكارِ المنكر باليدِ أو باللسانِ أن لا يؤدِّىَ ذلك إلى مُنكرٍ أعظم. فانظروا يا أحبابنا إلى شدةِ أهميةِ تعليمِ الناسِ العلمَ الشرعىَّ الصحيحَ ولا سيما علمَ العقيدة، وانظروا إلى أهميةِ النهىِ عن المنكرِ ولا سيما النهىِ عن الكفر، فإنه إذا كان يجبُ نهىُ شاربِ الخمرِ عن معصيته ونهىُ السارقِ عن السرقة ونهىُ الكاذِبِ عن الكذبِ فكيفَ بالذى يقعُ فى الكفر؟! لا شك أَنّهُ واجب عظيمٌ أنْ ينهَاهُ الإنسانُ عن هذا الكفر وأن يأمرَهُ بالرجوع إلى الإسلام العظيم. ويكفى فى بيان فضلِ هذا الأمر حديثُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَحْيَا سُنَّتِى عندَ فَسَادِ أُمَّتِى كَانَ لَهُ أَجْرُ شَهِيد” رواه البيهقىّ . وما هو أجر الشهيد؟ الجنة من غيرِ عذاب. فهذا الحديثُ يُستَدَلُّ منه على أنَّ الذى تَعَلَّم العقيدةَ الصحيحة وعلَّمها للناس فى هذه الأيام يدخُلُ الجنةَ إن شاء الله مِنْ غيرِ عذاب، ولو كانت له زَلَّاتٌ. فلا ينبغى للشخصِ أن يَنْزَوِىَ ويترُكَ الأمرَ بالمعروف والنهىَ عن المنكر لا سيما إذا نَشُطَ أهلُ البِدَع فى نَشْرِ بِدَعِهِم بين المسلمين وذلك لأن إنكارَ المنكر باللسانِ معَ القدرَةِ واجب. فنسألُ اللهَ تعالى أَنْ يَسْتَعْمِلَنَا كُلَّنَا فى هذا، وأن يجعَلَنَا من الذين يَحْرِصونَ على تعليمِ عقيدةِ أهل السنة ونشرِها فى الليلِ والنهار، وأن يرزقَنَا أَجْرَ الشهداء، ولو مِتْـنَا على الفراش. والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.