دروس مكتوبة

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وأصحابه إلى يوم الفصل والدين. أما بعد فإنَّ النجاسةَ إذا كانت عينيةً أى ما زال عينُها موجودًا على المحل أى طعمها أو لونها أو ريحها، فإنّ المحلَ لا يطهرُ فى هذه الحالِ حتى يُغْسَلَ الموضعُ بالماءِ المطهّـِرِ. يعنى لا يطهُرُ المحلُّ بإزالتِها بالترابِ مثلًا أو بوضعِهَا فى الشمسِ ولو زالتِ الأوصاف. إنما يُغْسَلُ الموضِعُ بالماءِ حتى يَزُولَ العينُ والوصفُ.

وأما النجاسةُ الحكميةُ وهي التى لا يُدْرَك لها لونٌ أو طعمٌ أو ريحٌ تُزالُ بِجَرْىِ الماءِ عليها. شرحُ ذلك أنَّ النجاسةَ إذا جاءَت على موضعٍ ثم زالت عينُهَا وأوصافُهَا لكن لا بالماء، فإنّ هذا الموضعَ يبقى مُتَنَجّـِسًا لأنّ العينَ والوصفَ زالا بغير الماء. وتُسمى هذه النجاسةُ نجاسةً حكمية، يعنى أنَّ عينَ النجاسةِ لم تعد موجودة على الموضِع لكن حكمُ الموضِع أنه مُتَنَجّس، فيكفِى لتطهيرِه غَسْلُهُ مرةً واحِدة بالماء.

وأما النجاسةُ الكَلْبِيَّةُ تُزال بغَسْلِهَا سَبْعًا إحدَاهُنَّ ممزوجةً بالترابِ الطَّهور. يعني أَنَّ تَطْهيرَ الموضع من النجاسةِ الكلبية لا يكفى فيه الغَسْلُ مرةً واحدة. بل لا بُد من غَسْلِ الموضِعِ سَبْعَ مَرَّات، إحدى الغَسَلات يكونُ الماءُ فيها مخلوطًا بالتراب. يُصَبُّ الماء على الموضِع حتى تزولَ عينُ النجاسة، وعندَ ذلك يُعْتَبَرُ كلُّ ما صبَّه غَسْلَةً واحدة (فلو احتاج أن يَصُبَّ عشرَ مراتٍ حتى تزولَ العين تُعْتَبَر هذه العشرةُ مرَّة واحدة)، ويبقى عليه أن يَغْسِلَ سِتَّ غَسَلاتٍ أُخرى. ولا بُد أن يخلِطَ الماءَ بالترابِ فى واحدةٍ من هذهِ الغسَلاتِ السبعِ أى بحيثُ يتغيرُ لونُ الماءِ بهذا التراب. والأفضلُ أن يكونَ ذلكَ فى الغسلةِ الأولى. والمرادُ بالنجاسةِ الكلبيةِ نجاسةُ الكلبِ والخنزيرِ كِلَيْهِمَا، وهذا يَشْمَلُ ملامسةِ الكلبِ والخنـزيرِ مع البللِ وريقَهُمَا وبولَهُمَا ورَوثَهُمَا وسائِرَ أجزائهما.

وهنا تنبيه مهم: لإزالةِ النجاسَةِ عن موضع بماءٍ قليل لا بد من أن يَجْرِىَ الماءُ على الموضع أى لا بد من أن يكون الماءُ واردًا على الموضع. أما لو وَضَعَ النجاسةَ فى الماء القليل فهذا لا يُطَهّرُ الموضع إنما يُنَجّسُ الماء. مثلُ إنسان كان على ثوبِه نجاسة فَغَمَسَ الثوبَ مع الموضعِ المتنجسِ فى ماءٍ قليلٍ ثم نَزَعَ الثوبَ من الماء وقد ذهبت عينُ النجاسةِ أى وطعمُهَا ولونُها وريحُها. فى هذه الحال هذا الثوب لم يطهُر، بل كُلُّ ما انغمسَ منه فى الماءِ صارَ نجسًا مع الماءِ الذى فى الإناء، لأن النجاسةَ فى هذه الحالِ وردت على الماءِ القليلِ وليس الماءُ هو الذى وردَ عليها. أما إذا كان الماءُ كثيرًا فلا يتأثر، طالما أنّ الماء لم يتغير. فإذا أُزِيلَت عين النجاسة وأوصافُ النجاسة بإِيراد الماء على النجاسة أو بوضعِ الشىء المتنجس فى الماء الكثير يَطهُرُ الموضع المتنجس فى الحالين. والماء القليل هو ما كان أقل من مائةٍ وخمسٍ وتسعين ليترٍ تقريبًا. وفي الختام نسأل الله تعالى أن يتقبّلَ منّا صالح أعمالنا وأن يمُنّ علينا بتوبةٍ نصوحا وأن يوفقنا لما يحبُه ويرضاه وأن يتجاوزَ عن سيئاتنا ويغفرَ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرنا والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.

الحمد لله الذي دلّ على وُجودِه بِجودِه وأُصلي وأسلِم على سيدِنا محمدٍ فخرِ آبائه وجُدودِه وعلى آلهِ وأصحابِه وأزواجهِ وأتباعِه أما بعد فإنَّ شروطَ صحةِ الطهارةِ خمسةٌ أولُها الإسلام، فالكافرُ لا تصِحُ منه الطهارة، ونَعْنِى بذلك الوضوءَ و الغسلَ و التيمم. وثانيها التمييز فالصغيرُ غيرُ الْمُمَيّزِ والمجنونُ لا تصِحُّ منهما الطهارةُ. وثالثها عَدَمُ المانِعِ مِنْ وُصُولِ الماءِ إِلَى المَغْسُولِ. فمِنْ شروط صحةِ الطهارة أن لا يكون مانِعٌ يمنعُ من ملاقاةِ الماء للعضو الذى يجبُ غَسْـلُـهُ أو مَسْحُهُ فى الطهارة، فإن وُجِدَ ذلك لا بُدَّ من إِزَالَتِهِ حتى يصلَ الماءُ إلى ما تَحْتَهُ من الجلدِ. ويُفْهَمُ من ذلك أنَّ طِلاء الأظافر الذى تضعُهُ النساءُ لا بُدَّ من إزالتِهِ قبلَ الوضوءِ أو الغسلِ ليَصِحَ لها الوضوءُ أو الغُسْلُ، لأنه يمنعُ مِنْ وُصُولِ الماءِ إلى الظُّفْرِ.

ورابع شروط صحة الطهارة السَّيَلانُ فلا بدّ فى غُسْلِ الطهارةِ من أن يَجْرِىَ الماءُ على الجلد بطبْعِهِ ولو مع إمرار اليد. أما مجردُ المسحِ الذى لا يُسمى غَسلًا فهذا لا يُجْزِئ، أى إذا بلَّـلَ شخصٌ يدَه بالماءِ ثم مَسَحَ بها وَجهَهُ فى الوضوءِ بَدَلَ أن يَغسِلَه لا يُجْزِئ.

وخامس شروط صحة الطهارة أنْ يكونَ الماءُ مُطَهّـِرًا أي طاهرًا بنفسِه غيرَ نَجِسٍ ومُطَهّـِرًا لغيره. فَلِكَى يُجزئَ استعمالُه فى رفع الحدث أو إزالة النجَس لا بد من أن يجمعَ الصفتين أى لا بد أن يكون طاهرًا مطهرًا مثلَ ماء المطر والنهر والبحر والبئر والعين، فإن كان طاهرًا لكن لا يُطَهّـِرُ غيرَهُ فلا يكفى. ومثال الماءِ الطاهرِ الذي لا يُطهّر غيره الشاي وقهوةُ البن وشرابُ التوت وشرابُ الليمون وما أشبه ذلك. وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن ييسر لنا سبلَ الخير وأن يوفقنا لأن نعمل بعمل أهل الجنة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والحمد لله رب العالمين.

 يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ كُلِّ نَجِسٍ رَطْبٍ خَارِجٍ مِنَ السَّبِيلَيْنِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ.

   وَالِاسْتِنْجَاءُ يَكُونُ بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ أَوْ بِالْقَالِعِ الطَّاهِرِ الْجَامِدِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَالْحَجَرِ أَوِ الْوَرَقِ.

  • الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ: يَصُبُّ الْمُسْتَنْجِى مِنَ الْغَائِطِ الْمَاءَ الْمُطَهِّرَ عَلَى مَخْرَجِ النَّجَاسَةِ وَيَدْلُكُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى حَتَّى تَزُولَ النَّجَاسَةُ عَنِ الْمَخْرَجِ وَيَطْهُرَ الْمَحَلُّ.
  • الِاسْتِنْجَاءُ بِالأَحْجَارِ: أَمَا لَوْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْقَالِعِ الطَّاهِرِ الْجَامِدِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَالْحَجَرِ فَيَمْسَحُ الْمَخْرَجَ بِهِ ثَلاثَ مَسَحَاتٍ فإِنْ بَقِيَتِ النَّجَاسَةُ يَمْسَحُ مَرَّةً رَابِعَةً أَوْ أَكْثَرَ حَتَى يَنْقَى الْمَحَلُّ أَوْ يَمْسَحُ بِثَلاثِ وَرَقَاتٍ (مَنَادِيلَ وَرَقِيَّةٍ مَثَلًا) ثَلاثَ مَسَحَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ حَتَى يَنْقَى الْمَحَلُّ وَلا يَكْفِى لِلِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمَسْحُ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَى لَوْ حَصَلَ الإِنْقَاءُ.

   وَيُشْتَرَطُ لِلِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ الْمَاءِ أَنْ يَكُونَ

   (1) قَبْلَ الْجَفَافِ فَلَوْ جَفَّ الْخَارِجُ وَجَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ.

   (2) وَقَبْلَ الِانْتِقَالِ فَلَوِ انْتَشَرَ الْخَارِجُ وَتَوَسَّعَ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِى اسْتَقَرَّ فِيهِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ.

   وَيُسَنُّ الدُّخُولَ إِلَى الْخَلاءِ بِالرِّجْلِ الْيُسْرَى وَالْخُرُوجَ مِنْهُ بِالْيُمْنَى بِعَكْسِ الْمَسْجِدِ فَالْمَسْجِدُ يُسَنُّ دُخُولُهُ بِالرِّجْلِ الْيُمْنَى وَالْخُرُوجُ مِنْهُ بِالرِّجْلِ الْيُسْرَى.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خيرِ المرسلين وعلى آله وأصحابِه إلى يومِ الدين. أما بعد ليعلم أنَّ الوضوءَ شرطٌ لصحةِ الصلاة، فلا تصح الصلاة بغير طهارة.

و هناك ستة أشياء إذا فعَلَها الشخصُ فى الوضوءِ صح وضوءُهُ بلا إثم، وأما الأمورُ الأخرى المطلوبُ شرعًا فعلُها فى الوضوءِ فهى سُـنَّـة.

الفرضُ الأول من فروض الوضوء النيةُ، فينوى بقلبه الطهارةَ للصلاة، أو الوضوءَ، أو فرضَ الوضوء. ولا بُدَّ أَنْ تكونَ هذه النيةُ بالقلبِ فلا يكفى أن يتلفظ بها بلسانه وهو غافل عن معناها بقلبه، ولا بد أن تكونَ مَع أولِ غسلِ الوجه، أى أولَّ ما يلامسُ الماءُ وجهَهُ يستحضِرُ بقلبِهِ الوضوءَ، (هذا مذهبُ سيدِنَا الشافعىّ رضى الله عنه). وقال مالكٌ تُجزِئُ النية إذا سبقت غَسْلَ الوجهِ بقليل، يعنى ولو لم يستحضرْها فِى أول غسلِ الوجه.

و يجب غَسْلُ كُلِّ الوجهِ فى الوضوء. وحدُّ الوجه طُولًا من منابت شعر الرأس عادةً عند الناس إلى أسفلِ الذَّقَنِ، وعَرْضًا مِنَ الأُذُنِ إِلَى الأُذُنِ، أى مِنْ وَتِدِ الأذن إلى وَتِدِ الأُذُن، يعنى من أصلِ الأذن إلى أصلِ الأذن. فيجبُ غَسْلُ كُلِّ جِلْدِ الوجهِ وشَعَرِهِ، إلَّا باطِنَ لحيةِ الرَّجُلِ الكثيفةِ وباطنَ عارِضَيْهِ الكثيفين. وأما إذا كان الشَعَرُ خَفِيفًا فلا بد من غَسْلِ ظاهرِ اللحية وباطِنِهَا.

و الفرضُ الثالثُ فى الوضوء غسلُ اليدين من رءوسِ الأصابعِ إلى المرفقِ أى مع المرفق، فلو تَرَك غسلَ المرفقِ لَم يصحَّ وضوءُه .

وأما الفرضُ الرابعُ مِنْ فروض الوضوء مسحُ بعضِ شَعْرِ الرأسِ أو جلدِهِ. وحدُّ الرأسِ من مَنْبِتِ الشعر عند غالبِ الناس إلى نُقْرَةِ القفا. فلو مَسَحَ شَعرةً أو جُزءًا مِنْ شعرةٍ بحيث أن هذا الجزءَ من الشعرة لو مُدَّ إلى جهةِ نزوله أى إلى الجهة التى ينزلُ منها عادةً لا يخرج بهذا المدِّ عن حد الرأس فإنه يكفى عند ذلك لأن هذا جزءٌ مِنْ الرأس.

و الركن الخامسَ من أركانِ الوضوءِ غَسْلُ الرّجلينِ مع الكعبينِ، فإذا لم يغسل الكعبين لم يصحَّ وضوءُه. وينوبُ المسحُ على الخُـفِّ عن غَسْلِ الرّجلين إذا اكتملت شروطُ المسح على الخف، بأَن يكونَ الخفُ ساترًا لِمَحَلِّ غَسْلِ الفرضِ مِنَ القَدَمَينِ، وأَنْ يُمْكِنَ تتابُعُ المشْىِ علَيهِ، وأن يكون لُبسُه بعد تمام الطهارة، وأن لا يكون نَجِسَ العَيْنِ.

والركن السادسُ التَرْتِيبُ هكذا. أي أنه يُشترط أن يَبدَأَ بالنيةِ مع غَسْلِ الوجهِ، ويُكْمِلَ غَسْلَ وجهِهِ، ثم يغسِلَ يديه بعد ذلك ثم يمسَحَ رأسَهُ ثم يغسِلَ قَدَمَيْه. فلو أَخَلَّ بالترتيب لا يصحّ وضوءُه، وذلك لأن الله تبارك وتعالى ذَكَرَ غَسْلَ الأعضاءِ فى الوضوءِ على هذا الترتيبِ فِى القرءان الكريم.

وَينقُضُ الوضوءَ مَا خَرجَ مِنَ السَّبيلَينِ غَيرَ المَنِىّ؛ وَمَسُّ قُبُلِ الآدَمِىِّ أَو حَلْقَةِ دُبُرِهِ بِبَطْنِ الكَفِّ بِلا حَائِلٍ؛ وَلَمْسُ بَشَرَةِ الأجنبِيةِ التِى تُشْتَهَى؛ وَزَوَالُ العَقْلِ، لا نَـوْمُ قَاعِدٍ مُمَكّـِنٍ مقْعَدَتَهُ. يعني أن ما يَنْقُضُ الوضوءَ هى هذه الأشياءُ المذكورةُ فقط، وما عداها لا ينقضُ الوضوء. أَوَّلُهَا كلُّ ما خرج من السبيلين أي من القُبُل والدُّبُر إلا المنىَّ، سَوَاءٌ كان هذا الخارجُ مُعْتَادًا أو غيرَ مُعْتَادٍ. وأما المنىُّ فلا يَنقضُ مجرَّدُ خروجِهِ الوضوءَ وإنْ كان يُوجِبُ الغُسْلَ.

الأمر الثانِى مَسُّ قُبُلِ الآدمىّ أو حَلْقَةِ دُبُرِهِ ببطنِ الكفِ من غير حائل. وبطنُ الكف هو ما يختَفِى عِندَ إطباقِ الكفين بعضِهما على بعضٍ مع تحامُلٍ يسير أى خفيف وتفريقِ ما بين الأصابع، فكل ما لا يظهرُ عندها هو بطنُ الكفِ. أما مَسُّ القُبُلِ أو حَلْقَةِ الدُبُّر بظهر الكف أو أطرافه فلا يَنقُض الوضوء.

ومن نواقض الوضوء لمسُ بشرَةِ الأجنبيةِ التِى تُشْتَهَى. فالذى يَنقُضُ هوَ مسُّ الجلدِ للجِلْدِ مع كَون الجانبين بَلَغَا سِنًا يُشْتَهَى فيه مِثْلُهُمَا ولو كانا لم يبلُغَا بعد. وأما لمسُ سنِّ الأَجنبية أو شَعَرِها أو ظُفْرِها فلا ينقض الوضوء ولكن حرام.

كذلك مما يَنْقُضُ الوضوءَ الجنونُ ولو لِلَحْظَة، وكُلُّ زَوَالٍ للعقل، حتى النومُ إلا إذا نام الشخصُ مُمَكّـِنًا مقْعَدَتَهُ وأَفَاقَ وهو على ذلك. والأجنبيةُ المذكورة ءانفًا هى من ليست مَحْرَمًا. وأما مَسّ جِلْدِ مَحْرَمٍ كأُمِـّهِ أو أُختِهِ أو بِنْتِهِ الصُّلْبِيَةِ أو بنتِهِ مِنَ الرَّضَاع أو أُمِّ زَوْجَتِهِ فلا ينقض. ولو مست المرأة جِلْدَ عَمّهَا أو خَالِهَا، أو جِلْدَ وَالِدِ زَوجِهَا أو وَلدِها بالرَّضَاع، أو واحدٍ من سائرِ الْمَحَارِم فلا ينقضُ ذلك وضوءَها ولا يحرم. والله تبارك تعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله المجيد والصلاة والسلامُ على سيدِنا محمدٍ الحكيمِ الرشيدِ وعلى آلهِ وأصحابِه إلى يومِ القيامةِ الأكيد أما بعدُ يجِبُ على المسلِمِ خَمْسُ صلواتٍ فى كُلِّ يومٍ وليلة، ولا صلاةَ واجبةٌ غيرَ هؤلاء الخمس -يعنى وجوبَ عينٍ-. وأداءُ هذه الصلوات أفضلُ الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله، وتركُهَا ذنبٌ عَظِيمٌ يجعَلُ الشخصَ قريبًا من الكفر، حفظنا الله من ذلك.

ومِنَ المهم معرفةُ كيفَ تَدخُلُ أوقاتُ الصلوات وكيف تخرُج. فوقتُ الظهر يَبْتَدِئ أولَ ما تميلُ الشمس ولو أَخَفَّ الميل عن وسطِ السماء إلى جهةِ المغرب. وبيان ذلك أنّ الشمسَ تَطْلُعُ مِنَ المشرق ثم تتحرك حتى تَصِل إلى وسطِ السّمَاء ويكونُ ظِلُّ الشىء أقْصَرَ ظِلٍّ له فى ذلك اليوم؛ هذا الوقت-أى لما تكون الشمسُ فى وسط السماء- ويقال له: وقتُ الاستواء وفى ذلك الوقت لا يكون الظهرُ قد دخل بعد لكن بعد ذلك أولَ ما تَميلُ الشمسُ ولو قليلًا عن وسطِ السماء إلى جهةِ الغرب يكونُ دَخَلَ الظهر. ويبقى وقتُ الظهر إلى أن يصيرَ طولُ ظِلّ الشىء مساويًا لطولِ الشىء نفسِهِ مع زيادَةِ طولِ ظِلِّ الاستواءِ عليه. مثال ذلك إذا كان هناك خَشَبَة قائمة طُولُهَا ثلاثُ أقدام، فلما صارت الشمس فى وسط السماء كان ظِلُّ هذه الخَشَبَة قَدَمًا واحدةً. فعندما يَصير فى ذلك اليوم طولُ الظِلِ أربعَ أقدام يكون انتهى وقتُ الظهر، وبعد ذلك يبتدئُ وقتُ العصر

ثم وقتُ العصر يستمرُ من بعدِ انتهاءِ وقتِ الظهرِ إلى أن يغيبَ كاملُ قُرْصِ الشمس. فإنْ كُـنْتَ لا تستطيعُ رُؤيةَ قُرصِ الشمسِ فى الجهةِ الغربية، يُعْرَفُ ذلك بزوالِ الشُّعَاعِ من رءوسِ الجبالِ وبإقبالِ الظلمةِ من المشرق.

وأما وقتُ المغرب فإنه يَبْتَدِئ بعد انتهاءِ وقتِ العصر مباشرةً، ويستمرُ إلى أن يغيبَ الشفقُ الأحمرُ من الأفقِ الغربىّ.

وأما وقْتُ العشاء فإنه يبتدِئ مباشرةً بعد انتهاءِ وقتِ المغرب، ويستمرُ إلى طلوعِ الفجر الصادق الذى هو بياضٌ معتَرِض يطلُعُ فى الأُفْق الشرقىّ، يَبْدَأُ أولَ ما يظهر دقيقًا ثم يزدادُ وينتشرُ شيئًا فشيئًا إلى أن تَطْلُعَ الشمس. فبمجرد طلوعِ هذا البياض ينتهى وقتُ العشاء ويبتدئ وقتُ الصبح.

وأما وقتُ الصبح فإنه يبدأ مباشرةً بطلوعِ الفجر، ويستمرُ إلى أن تطلُعَ الشمسُ، أى حتى يطلُعَ أوّلُ جُزءٍ مِنَ الشمسِ.

وليعلم يا أحبابنا الكرام أن معرفةَ هذه الأوقات وإيقاعَ الصلاةِ فيها لا قَبْلَهَا ولا بعدَهَا فَرْضٌ، فيحرم تقديمُ الصلوات على وقتِها وتأخيرُها عن وقتها بلا عذر لأنّ الله تبارك وتعالى قال: {فَوَيلٌ للمصلّين الذّينَ هم عن صلاتِهِم ساهون}. والمراد بالسهو هنا تأخيرُ الصلاةِ عمدًا حتى يخرجَ وقتُها. فالذى يؤخرُ الصلاةَ عمدًا حتى يخرجَ وقتُها فإنّ الله تَوَعَّدَه بالويلِ وهو العذابُ الشديد. ومَعَ ذلك فإنّ من يُؤَخرْها عن وقتِها عمدًا حتى يخرُجَ وقتُها من غيرِ أن يُصَلّـِيَهَا لا يكونُ كافرًا، لكنه يكون قريبًا من الكفر. وقال بعضُ الأئمةِ بتكفيرِهِ، لكنَّ الجمهورَ على أنه فاسقٌ لم يَصِل إلى الكفرِ بذلك.

و مَنْ صَلَّى الصلاةَ قبلَ وقتِهَا لم تَصِحَّ منه الصلاةُ، ومن صلَّاها بعد خروجِ وقتِها وَقَعَت هذه الصلاةُ قضَاءً، لكنْ عصى الله بتأخِيرِهَا إن كان أَخَّرَهَا بلا عُذْرٍ. وأشدُ المعصيتين معصيةُ التقديم، لأنَّ الذى قدَّمَها على وقتِها لم تقعْ صلاتُه لا أداءً ولا قضاءً. فإنْ جَمَعَ بين الصلاتين لعذرٍ شرعىٍّ فلا إثمَ عليه، مثلُ الذى يجمعُ بينهما للسَّفَرِ، أو المرضِ، أو المطرِ، ولذلك تفاصيلُ معروفةٌ فى كتب الفقه.

وفي الختام نسأل الله تعالى العفو والعافية. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله على نِعَمٍ لا تُحصى ولا تُحصر والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ خيرِ البشرِ وعلى آلهِ وأصحابِه إلى يومِ المحشر. مِنْ شُرُوطِ الصلاةِ الإِسْلاَمُ لأنّ الصلاةَ عبادةٌ فلا تَصِحُّ مِنَ الكافر، لأنّ العبادةَ لا تصحُ إلا بعدَ معرِفَةِ المعبود.

ومِنْ شُرُوطِ الصلاةِ: استقبالُ القِبْلَةِ أى استقبالُ الكعبة، فمَن كان يراها يتوجَّهُ إليها بالرؤية، ومن كان بعيدًا عنها يجتهدُ حتى يَتَوَجّهَ إليها. ولا تَصِحُّ صلاتُه فى هذه الحالِ من غيرِ أن يجتهدَ إن كان قادرًا على ذلك.

ومِنْ شُرُوطِ الصلاةِ دُخُولُ وَقْتِ الصلاةِ. أي أنَّه لا يَصحُ أن يُصَلِّيَ الفرضَ قبلَ دُخُولِ وَقْتِهِ. فلو أنّ إنسانًا قام فصلَّى من غيرِ أن يعرف هل دخل الوقت أم لا، إنما دخل فى الصلاة بناءً على التَّوَهُّمِ فقط لم تصح صلاتُه. أى إن لم يعتمد على شىءٍ مُعْتَبَرٍ شرعًا لِيَعْرِفَ أنّ وقتَ الصلاة دخل بل بمجرَّد التوهم قام فصلى لا تصح صلاته فى هذه الحال ولو وقعت ضمن الوقت.

ومِنْ شُرُوطِ الصلاةِ التمييزُ وهوَ أنْ يكونَ الولدُ بَلَغَ مِنَ السّنِ إِلَى حيثُ يَفْهَمُ الخِطَابَ وَيَرُدُّ الجواب. أي أنّ غيرَ المميزِ لا تصح منه الصلاة. فلا يقال للولد غيرِ المميز صلِّ، لأن الصلاةَ لا تصح منه، بل يقال له مثلًا انظر كيف يصلون. والتمييز معناه أن يصير فى حَدٍّ يفهم فيه الخطاب ويُحْسِنُ أن يرد الجواب.

ومِنْ شُرُوطِ الصلاةِ العِلمُ بِفَرْضِيَّتِهَا. فلو أنّ شخصًا كان حديثَ عهدٍ بإسلام لم يعرف بعدُ أن الصلوات الخمس فرض، ثم رأى المسلمين يُصَلُّون صلاةَ الظهر مثلًا فصلَّى مَعَهُم من غير أن يعتقد أنها فرض، لا تصح صلاتُهُ لأنَّ العلمَ بفرضِيَّتِهَا شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا. وأما من عاش بينَ المسلمين إذا أنكر فرضية الصلوات الخمس أو واحدةٍ منها أو شكّ فى ذلك فإنه يكفر.

ومِنْ شُرُوطِ الصلاةِ أَنْ لا يعتقدَ فَرْضًا مِنْ فروضِهَا سُنَّة. يعني يُشترطُ لصحةِ الصلاة أنْ لا يعتقدَ فى قلبِهِ أنّ ركنًا من أركانِ الصلاة هو سنة. فلو اعتقد أنَّ فرضًا من فروضها سُـنَّة لم تصحَ صلاتُهُ ولو أتى بهذا الركن، وذلك كأن يعتقدَ أنّ التشهد الأخير سنةٌ وليس فرضًا، فإنَّ صلاتَهُ لا تصحُّ ولو قَرَأَهُ فى الصلاة.

ومِنْ شُرُوطِ الصلاةِ السَّتْرُ بما يستُرُ لَونَ البَشَرَةِ لجميعِ بَدَنِ الحُرَّةِ إلَّا الوجْهَ والكَفَّين. أي أنَّ سترَ العورةِ شرطٌ من شروطِ صحةِ الصلاة. والعورةُ فِى حَقِّ المرأَةِ الحرَّة كلُّ بدَنِهَا إلا الوجهَ والكفين. فلا بُدَّ عند الصلاة من أن تستُرَ كلَّ العورة بشىءٍ يَسْتُرُ اللونَ ولو كان يُظهِرُ الحَجْمَ، فلو صلَّت ساترةً بما يَسْتُرُ اللون لكن يُحَجّمُ العورةَ فصلاتُها صحيحةٌ مع الكراهة.

ومِنْ شُرُوطِ الصلاةِ السَّتْرُ بما يستُرُ ما بينَ السُّرَةِ والركبةِ للذَّكَرِ والأَمَةِ مِنْ كُلِّ الجوانِبِ لا الأَسْفَلِ. شرح ذلك أنَّ عورةَ الرَّجُل ما بين سُرَّتِهِ ورُكْبَتِهِ، فلا بد من سترِ ذلك فى الصلاة. والسُّرَّةُ والركبةُ نفسُهما ليستا عورة، إنما العورةُ ما بينَهُمَا. وعورةُ الأمةِ فى الصلاةِ مثلُ عورةِ الرَّجُل، يعنى إذا صلَّت الأَمَةُ ساترةً فقط ما بين سرَّتِهَا وركبَتِهَا فصلاتُهَا صحيحة. وليس معنى ذلك أنها تَخْرُجُ كذلك فى الطريق بين الناس، بل لعورتها أمام الأجانب تفصيل يُطلب فى غير هذا المختصر. ولا بُدَّ فى ساتر العورةِ بالنسبةِ للمرأة والرجلِ والأمةِ أن يسترَ من كُلِّ الجوانبِ، لا من أسفل، يعنى لو كان الساتِرُ يَسْـتُرُ من كل الجوانب لكن بحيث لو أنّ إنسانًا نَظَرَ من تحت يرى العورة فإن هذا لا يؤثر على صحة الصلاة بل الصلاةُ صحيحة، مثلما لو وضع الرجلُ إزارًا سَتَرَ به ما بين السُّرَّةِ والركبة من كل الجوانب، لكن لو نظر إنسان من تحتُ كان يرى فَخِذَهُ فصلاتُه فى هذا الإزار صحيحة. وفي الختام نسأل الله تعالى أن يكرمنا بما يكرم به عباده الصالحين والحمد لله رب العالمين.

الحمدُ لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه. أركانُ الصلاةِ أو-بتعبِيرٍ ءاخر-فرائضُ الصلاةِ أى أجزاءُ الصلاةِ التى لا تصحُ الصلاةُ إن تُرِكَ واحدٌ منها هى سبعةَ عَشرَ رُكْـنًا أى إذا عُدَّت الطّمأنينةُ فى كل محلٍ من مَحَالّـِهَا رُكنًا مستقلًا.

الركنُ الأول مِنْ أركان الصلاة النية، ومحلُّهَا القلبُ. فلا يكفِى التلفُّظُ بها باللسان قبلَ الدخولِ فِى الصلاة إن لم يستحضرْها الشخصُ بقلبهِ فِى ابتداءِ صلاتِهِ. ووقتُ النية هو تكبيرةُ الإحرام، يعني لا بد أن يَستحضر فى قلبه النيةَ بينما هو يقولُ بلسانِهِ الله أكبر. ولا بد فى النيةِ منْ أن يَقْصِدَ بقلبه فعلَ الصلاة. ثم إن كانت الصلاةُ فرضًا لا بدَّ أن ينوِىَ الفرضيةَ، وإنْ كان لَهَا وقتٌ مُعَيَّنٌ لا بد أن يُعَيّنَهَا. فالظهر مثلًا لها وقت مُعَـيَّن فلا بد أن يستحضرَ فى قلبه عند النيةِ أنه يُؤَدّى صلاةَ الظهرِ بخصُوصِهَا، لأنّ لها وقتًا معينًا. وإن كان للصلاةِ سبب مُعَيَّنٌ لا بد أن يُعَيّنَهَا أيضًا، كصلاةِ الكسوف أى كسوف الشمس، فلا بد أن يعين فى النيةِ أنه يصلى صلاةَ الكسوفِ، لأنّ لها سببًا معينًا. فإذا أراد أن يصلِىَ فرضَ الصبح مثلًا فالنيةُ المجزِئَةُ عندئذٍ تكون أن يقولَ بقلبه أُصلِى فرضَ الصبح أو أُصَلّى الصبحَ المفروضةَ أو نحو ذلك، وإذا كان يريد أن يُصَلّـِىَ صلاةَ العيد وهي صلاة ذات سبب يقول أُصلِى صلاةَ العيد، وإذا أراد أن يصلّىَ نَفْلًا مُطْلقًا ليس مُخْتَصًا بسببٍ معيّن ولا بوقت معين يَكفِى أن يقولَ بقلبه أُصَلّـِى.

و الركنُ الثانِى من أركان الصلاة هو تكبيرةُ الإحرام أى التكبيرة التى يُحْرِم بها بالصلاة أى بها يدخل فى الصلاة وهى أولى تكبيراتها. ولا بد فى هذه التكبيرة من أن يُسمِعَ نفسَهُ. وهذا -يعنى أن يُسْمِعَ نفسه- لا بد منه أيضًا فى كُلِّ ركن قولىّ.

والركنُ الثالث من أركان الصلاة هو القيامُ فى الفرضِ إن كان قادرًا على القيام، وذلك بأن يَعْتَمِدَ على قدميه ناصبًا لِفَقَارِ ظهْرِهِ. فإن عَجَزَ عن القيام صلَّى قاعدًا، فإن عَجَزَ عن الجلوس صلَّى مضطجعًا على جَنْبِهِ الأيمن أو الأيسر وصدرُهُ إلى القبلة، لكن الاضطجاع على جنبه الأيمن أفضل. فإن عجز عن ذلك صلَّى مُستلقيًا على ظهرِه مَادًا قدَمَيهِ إلى القبلة، مع وضعِ شىءٍ تحتَ رأسِهِ ليكونَ وجهُهُ إلى القبلة (لا إلى السماء) إنْ قَدَر.

والركنُ الرابعُ من أركان الصلاة هو قراءَةُ الفاتِحَةِ بالبَسْمَلَةِ والتشدِيداتِ، ويُشترطُ مُوالاتُهَا، وترتيبُهَا، وإخراجُ الحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا. فيُعلم من ذلك أنه لا بد أن يأتى المصلى بالتشديدات التى فى الفاتحة، وأن يوالىَ بين ءاياتها يعنى أن يقرأ الآية بعد الأخرى من غير فاصل بينهما. ولا بد من ترتيبِ الآيات بحيثُ لا يُقَدّمُ ءايةً على التى قبلَها. ولا بد أيضا-أى لصحة الصلاة-من أن يُخْرِجَ الحروفَ من مخارِجِهَا صحيحةً، ويكفى فى ذلك أن يُخْرِجَ أصولَ الحروفِ صحيحةً ولو لَمْ يأتِ بكمالِ لفظِ الحرف. أما إن أَهْمَلَ ذلك فلا تَصِحُّ قراءَتُهُ للفاتحة، كالذين يَقْرَءُون الفاتحة فيلفظُون الطاء تاءً، أو الذال زايًا، فهؤلاء لا تصحُ قراءَتُهُم، وبالتالى لا تصحُ صلاتُهُم. وحرامٌ أن يَلْحَنَ الإنسانُ فى قراءةِ الفاتحة ولو كان بسببِ تقصِيرِهِ فى التعلُّم فإنّ هذا ليس عذرًا. فإن لَحَنَ لَحْنًا يُخِلُّ بالمعنى أي غلط غلطًا يُخلّ بالمعنى مثلَ ضَمِّ تاءِ أنعمتَ تبطل صلاته لأنه يغير المعنى فتبطُلُ صلاتُه ولو كان يَجْهَل أَنَّ الصوابَ هو غيرُ ما قَرَأَهُ، إلا إن خَرَجَت منه الكلمةُ سَبْقَ لِسَان فيُعِيدُهَا على الصواب. أما اللحنُ أي الخطأ الذى لا يخلُ بالمعنى مثل ما لو قال: “الحمد للهُ” بضم الهاء من لفظ الجلالة فإنه إذا كان يظن أنَّ هذا هو الصوابُ لا تَفْسُدُ صلاتُه. أما إذا كان يَعْرِف أنّ الصوابَ هو غيرُ ما يقول ونَطَقَ بالكلمةِ عمدًا على الوجه الغَلَطِ فتفسُدُ صلاتُهُ لِتَلاعُبِهِ.

أما الركن الخامس من أركان الصلاة أن ينحنِىَ إلى حد أنه لو أرادَ أن يضع الراحتان على الركبتين يستطيع -أى من غير انخناس- ولا يُشتَرَط وضع الراحتين على الركبتين، لكنه سُّنَّةٌ. وكذلك ليس شرطًا أن يقول سبحان ربّـِىَ العظيم لكنه سُنَّةٌ.

و الركن السادسُ من أركانِ الصلاةِ الطُمأنينةُ، أى أن تَسْكُنَ كلّ أعضائِهِ دفعةً واحدة بقدرِ سبحان الله وهذا على الأقل.

والركنُ السابع الاعتدالُ بأنْ يَنْتَصِبَ بعدَ الرُّكُوعِ قَائِمًا. و معنى الاعتدال أن يَرْجِعَ الراكِعُ إلى ما كان عليه قبلَ الرُّكوع. ولا يُشتَرَطُ فى هذا الاعتدالِ أن يقولَ “سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَه ربَّنَا وَلَكَ الحمد”، لكنه سُنَّة. ولا بد أن يَطْمَئِنَّ فِى الاعتدالِ بقدرِ سبحانَ اللهِ أيضًا، وهذا ثامِنُ الأركان أما الركن التاسع من أركانِ الصلاة السجود، وهو مرتانِ فى كُلِّ رَكعة. ولصحةِ السجود لا بد من أن تُبَاشِرَ الجبهَةُ المُصَلَّى-أى مكانَ السجود-من غير حائل بينَهُمَا، فلو كان الشَعَرُ يَحُولُ بين الجبهةِ وبين الْمُصَلَّى لَمْ يصحَّ السجودُ. ولا بد أن يكون الشخصُ متثاقلًا برأسِه عند السجود أى تاركًا ثِقَلَ رأسِهِ يَقَعُ على الْمُصَلَّى. ولا بد أن يكون مُنَكّـِسًا أى أن تكونَ أسافِلُهُ أَعْلَى مِنْ أعاليه. وقال بعضُ الشافعيةِ يصحُ لو استوت الأسافلُ والأعَالِى. ولا بد أن يَضَعَ شيئًا من رُكبتيه وشيئًا من باطن كَفَّيهِ وشيئًا من باطِنِ أصابِعِ قدميه على مصلاه.

والركن العاشرُ الطمأنينةُ فيه. وأما الركن الحادِى عَشَر الجلوسُ بين السجدتينِ. فمن ترك الجلوسَ بين السجدتين عَمدًا لم تصحَّ صلاتُهُ، ولا بد أن يَطْمَئِنَّ فى هذا الجلوسِ بقدْرِ سبحانَ الله، وهذا الركن الثاني عشر.

أما الركن الثالث عَشَرَ فهو الجلوسُ للتشهُّدِ الأخيرِ وما بعدَهُ مِنَ الصلاةِ على النبىّ والسّلامِ. وليعلم أنّ التشهدَ الأخير لا يُجْزِئُ إلا إذا قاله الشخص وهو جالس. إذًا مِنْ أركان الصلاة أن يجلِسَ لِيَتَشَهَّد التشهد الأخير. وكذلك أَمْرُ الصلاةِ على النبىّ بعد التشهُّد والسلامِ.

والركن الرابع عَشَر قراءة التشهد الأخير في الجلوس الأخير فيقولُ: التحياتُ المباركاتُ الصلواتُ الطيباتُ للهِ، السلامُ عليكَ أيُّها النبىُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ السلامُ علينا وعَلَى عبادِ اللهِ الصالحينَ. أشهدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وأَشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ، أو أَقَلَّه وهُوَ: التحيّاتُ للهِ، سَلامٌ عليكَ أيُّهَا النبىُّ ورحمةُ الله وبركاتُهُ، سَلامٌ علينا وعلى عبادِ الله الصالحينَ، أشهدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله .

والركن الخامس عشر هو الصلاةُ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم وأَقَلُّهَا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد. شرح ذلك أنّ الصلاةَ على النبىِّ بعد التشهدِ ركنٌ من أركانِ الصلاةِ فى مذهبِ الإمام الشافعىّ رضى الله عنه. والعبارةُ التى ذكرناها أى اللَّهمَّ صلّ على محمد هى مِثَالٌ عن الصلاةِ الْمُجْزِئَةِ. فلو قال صلَّى الله على محمّد أجزأ، أو قال صلَّى اللهُ على رسولِ الله، أو قال صلَّى اللهُ على النبىّ أجزأ ذلك. أما إذا قال صلَّى الله على أحمد فلا يُجْزِئ.

والركن السادِس عشر السلام وأَقَلُّه: السلامُ عليكم. و لا بد أن ينتبهَ الإنسانُ إلى الإتيانِ بـ (أَل) فى السلام فلا يقول مثلًا سَلامُ عليكم بل لا بد أن يقول “السّلام عليكم”. والفرضُ هو التسليمةُ الأولى، أما الثانيةُ فسُنَّة. ولا يُشتَرَطُ أن يقولَ: ورحمةُ الله، لكن لو قَالَهَا يكونُ أحسن.

والركن السابِع عشر الترتيبُ. فلا بد أن يأتِىَ بأركان الصلاة على الترتيبِ المذكورِ فى تَعْدَادِهَا. يقفُ قائمًا إن قَدَرَ ويُكَبّر وهو قائِم وفى خلال التكبير ينوى ثم يقرأُ الفاتحة ثم يَركع ويطمئنُ فى الركوع ثم يعتدل مع الطمأنينة ثم يسجُدُ مرتين مع الطمأنينة ويَجْلِسُ بين السجدتينِ مع الطمأنينة كذلك، ثم فى الركعةِ الأخيرة بعد السجدةِ الثانية يقعُدُ، ثم يقرأ فى ذلك الجلوسِ التشهدَ ثم يُصَلّـِى على النبىّ ثم يُسَلّـِمُ.

فإذا تعمد الشخصُ تركَ الترتيب كأن قَدَّمَ السلامَ على محلّـِهِ عمدًا، أو قدَّمَ ركنًا فعليًا على ركنٍ فعلىٍّ قبْلَهُ فسَجَدَ قبلَ أن يركَع مثلًا وهو عامد لذلك تفسُدُ صلاتُهُ لأنه مُتلاعب. وفي الختام نسأل الله تعالى لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وعملا صالحا مقبولا والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا

الحمد لله على كلِ حال والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ سيّدِ الرِجالِ وعلى خيرِ أصحابٍ وأفضلِ آل. من مبطلاتِ الصلاةِ كلامُ الناس أى أن يتكلمَ الْمُصَلّى بكلام الناس، يعنى بغير الذِكْر، لأنّ ذكْرَ الله لا يُبْطِلُ الصلاة. فمن تَكَلَّم عمدًا فى الصلاةِ بحرفين اثنين-ولو كان ليس لهما معنى- أو تكلَّم عمدًا بحرف واحد لكن له معنى مثل فِ-ومعناه الأمرُ بالوفاء-وهو ذاكر أنه فى الصلاة بطلَت صلاتُهُ. هذا إذا كان يَعْرِفُ أنّ هذا الأمرَ حَرَام، أما إذا كان قريبَ عَهْدٍ بإِسلام فلم يعرف بَعْدُ أنّ كلام الناس لا يجوز فى الصلاة فتكلّم لا تفسُدُ صلاتُه.

وتَبْطُلُ الصلاة بالفعلِ الكثيرِ وهوَ عندَ بعضِ الفقهاءِ ما يَسَعُ قَدْرَ ركعةٍ من الزمَنِ. وقِيلَ ثلاثُ حَركاتٍ مُتوالياتٍ، ولكن الأولُ أَقْوَى دليلًا. شرح ذلك أنّ الإتيان بأفعال كثيرة فى الصلاة هو من مفسداتِ الصلاة، يعنى إن كانت من غيرِ أفعالِ الصلاة. قال بعضُ الفقهاء: إذا تَحَرَّك ثلاثَ حركاتٍ متواليات يكفى ذلك لإبطال صلاتِهِ. وكذا إنْ حَرَّكَ ثلاثةَ أعضاء دُفعةً واحدةً فإنّ هذا يُبْطِلُ الصلاة. وقال ءاخرون إذا تَحَرَّك حركاتٍ لو جُمِعَتْ مُدَدُها لكانت تساوى ركعةً فى الصلاة فعند ذلك تبطُلُ صلاتُهُ، وهذا القول أقوى من الأول من حيثُ الدليلُ.

و تَبْطُلُ الصلاة بالحركةِ الْمُفْرِطَةِ. فإنَّ الإنسان إذا تحرَّك حركةً واحدة لكن كانت الحركة مفرطة، كأن قفز قفزةً فاحشةً وهو فى الصلاة، أو وَكَزَ إنسانًا وكزًا عنيفًا فإنَّ صلاتَه تبطل عند ذلك.

وتَبْطُلُ الصلاة بزيادَةِ رُكْنٍ فِعْلىٍّ. فلو زاد المصلى رُكنًا فعليًا عمدًا فسدت صلاتُه. فلو كان يصلّى فقرأ الفاتحة ثم ركع ثم اعتدل ثم ركع ثانية ذاكرًا فسدت صلاتُه.

وتَبْطُلُ الصلاة بالحركةِ الواحدةِ لِلَّعِبِ. فالإنسان إذا تحرك وهو فى الصلاة حركةً خفيفةً بنية اللعب فسدت صلاتُه، وذلك لأنّ نيةَ اللعب تُنافِى نيةَ الصلاة.

وتَبْطُلُ الصلاة بالأكلِ والشُربِ إلا إِنْ نَسِىَ وَقَلَّ. يعني أنّ الشخص إذا أكل أو شرب فى أثناء الصلاة وهو ذاكر للصلاة فسدت صلاتُه، حتى لو كان ما أَكَلَهُ أو شربَهُ قليلًا جدًا، كأن بَلَعَ عمدًا الطعامَ العَالِقَ بين الأسنان فإن هذا يُبطلُ صلاتَه.

وتَبْطُلُ الصلاة بنيةِ قطعِ الصلاةِ.  فمن قال فى قلبه أنا الآن قطعتُ صلاتى انقطَعَت فى الحال.

وتَبْطُلُ الصلاة بتعليقِ قطْعِهَا علَى شىءٍ، وبالتَّرَدُدِ فيه. فإنّ الشخصَ إذا نوى أن يقطعَ صلاتَه إذا حصل أمرٌ ما انقطعت صلاته فى الحال. مثلًا نوى فى قلبه أنه إذا دُقَّ الباب وهو يصلى سيقْطَعُ صلاتَهُ فإنها تنقطعُ فى الحال. وكذلك لو تَرَدَّدَ مثلًا فيما إذا دَخَلَ البيتَ سارقٌ وهو يُصلّى هل يقطعُ صلاته أم لا يَقطعُهَا فإنها تنقطع حالًا.

وتَبْطُلُ الصلاة بأنْ يمضِىَ ركنٌ معَ الشكِّ فِى نيةِ التحَرُّمِ أَو يَطولَ زمنُ الشكِّ.

أي أنَّ من شك فى أثناء الصلاة فى نيةِ التحَرُّم فقال فى قلبه هل نويتُ أو لم أنوِ؟!، ثم استمر هذا الشكُّ مدةَ ركنٍ كامل، مدةَ قراءةِ الفاتحة مثلًا، فإنَّ صلاتَهُ تبطُل، أو أنهى الفاتحة ثم رَكَعَ وهو شاكٌّ فإنَّ صلاتَهُ تبطُلُ. أما إذا شكّ ثم زال هذا الشكُّ سريعًا فإن صلاتَه لا تبطل عند ذلك. وكذلك لو طال زمنُ الشك فى غير ركنٍ تبطل الصلاة، فلو كان مثلًا يقرأُ من القرءان بعد أن أنهى قراءة الفاتحة وقبل أن يركع فشك في أثناء القراءة ثمّ طال زمن الشك بطلت صلاتهُ. وفي الختام نسأل الله تعالى أن يتقبّل منا الأعمال الصالحة وسبحان ربّك ربّ العزة عمّا يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الأميّ الأمين وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين. أما بعد نتكلم الآن إن شاء الله تعالى عما يَحْرُمُ على الْمُحْدِثِ حدثًا أصغر أي على من انتقض وضوءه . مَنِ انتَقَضَ وضوءُه حَرُمَ عليه أَنْ يُصَلّـِىَ إلَّا بعد أَنْ يتوضأَ. وكذلك حَرُمَ عليه الطوافُ لأنّ الطوافَ مثلُ الصلاة لا يَصِحُّ فِعْلُهُ بغيرِ طهارة. فَمَنْ انتقَضَ وضوءُه لم يَجُزْ لهُ أن يطوفَ بالكعبة حتى يتوضأَ. مَنِ انتَقَضَ وضوءُه حَرُمَ عليه حَمْلُ المصحفِ، وَمَسُّهُ. يعني أنّ مَن انتقض وضوءُه لا يجوزُ له أن يحمِلَ المصحفَ ولو بحائل، ولا يجوز له أن يمسَّه، أى لا يجوز له مَسُّ الكلام ولا الحاشيةِ ولا الجلدِ الْمُتَّصِل به، إلا لضرورة.

أما الصَبِىُّ والصبيةُ اللَّذَيْنِ مَـيَّزَا إذا كانا يَدْرُسَانِ فى المصحف يجوز لنا أن نُمَكّـِنَهُمَا من حَمْلِ المصحَفِ ومَسّـِهِ إذا كانا يريدان ذلك لأجل الدراسة. فإذا كان الصبى يريد أن يأخذَهُ إلى عند الأستاذ الذى يُدَرّسُهُ أو إذا كان يَحْمِلُهُ ليدرس فيه وهو على غيرِ وضوء يُمَكَّنُ من ذلك، لأن الصبىَّ إذا شَرَطتَ عليه كلّما انتقض وضوءُه أن يجددَه لأجل الدراسة فى المصحف قد يتركُ الدراسةَ. فبسبب ذلك خُفّـِفَ فى أمرِهِ. ولا يجوزُ الطلبُ من الصبىّ الْمُمَيّـِز المحدثِ أن يحمِلَ المصحفَ ليأتِىَ به إلى والده أو سيده أو نحوِهما. وبها نكون انتهينا من الكلام عما يحرم على من انتقض وضوءه والآن نتكلم إن شاء الله عما يحرم على من أحدث حدثًا أكبرا أي على الجنب.

الجنب حرام عليه أن يُصلىَ وأن يطوفَ بالكعبة وأن يَمَسَّ القرءان أو يحملَهُ حتى يتطهر. وزيادةً على ذلك يحرمُ عليه أن يقرأَ القرءانَ بلسانه، وأن يَمْكُثَ فى المسجد، أو يَتَرَدَّدَ فيه، إلا أنه يجوزُ له أن يَمُرَّ فيه مُرورًا فيدخُلَ من باب ليخرُج من الآخر. وَيُخَصُّ مِنْ ذلك رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فإنه كان يجوز له الْمُكْثُ فى المسجد مع الجنابة.

و الحائض والنفساء يحرُمُ عليهما الأمورُ الخمسة التى تحرم على الجنب أى يحرم عليهما الصلاةُ والطوافُ وحملُ المصحفِ ومسُّه وقراءةُ القرءانِ والمكثُ فى المسجد. وزيادةً على ذلك يحرم عليهما أيضًا أمرانِ ءاخران، الأول هو أن تصومَا قبلَ أن ينقطعَ دَمُ الحيض أو النفاس فلو نَوَتا الصيام بعد انقطاعِ الدم وقبلَ الغُسل صَحَّ ذلك منهما. والثانى أن تُمَكّـِنَا الزوج مِنْ أنْ يستمْتِعَ منهما بما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قبلَ الغسل ولو كان الدمُ انقطع، أى إذا كان ذلك من غير حائل. وأما إذا كان حائِلٌ فيحْرُمُ الجماعُ، ولا يحرم ما دون الجِمَاعِ. ومِثْلُ حُكْمِ الزوجةِ فى هذا الأمر حكمُ الأَمَةِ غيرِ المتزوجة بالنسبَةِ لِسَيدِهَا. وهناك قولٌ ءاخر فى مذهب الشافعىّ أنَّ الاستمتاعَ بما بين سُرةِ وركبةِ الزوجة الحائض من غير حائل لا يحرُم منه إلا الجماع. وفي الختام نسأل الله تعالى العفوَ والعافيةَ والمعافاةَ في الدين والدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.

 الْحَدَثُ نَوْعَانِ حَدَثٌ أَصْغَرُ وَحَدَثٌ أَكْبَرُ.

  • الْحَدَثُ الأَصْغَرُ هُوَ حُصُولُ أَحَدِ الأَشْيَاءِ الَّتِى تَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَخُرُوجِ الرِّيحِ أَوِ الْبَوْلِ أَوِ الْغَائِطِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ مُبْطِلاتِ الْوُضُوءِ.
  • الْحَدَثُ الأَكْبَرُ وَهُوَ حُصُولُ أَحَدِ الأَشْيَاءِ الَّتِى تُوجِبُ الْغُسْلَ وَهِىَ خَمْسَةٌ خُرُوجُ الْمَنِىِّ وَالْجِمَاعُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالْوِلادَةُ.

وَتَتِمُّ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ بِالْغُسْلِ وَلَهُ فُرُوضٌ وَسُنَنٌ.

   فُرُوضُ الْغُسْلِ اثْنَانِ

   (1) النِّيَّةُ عِنْدَ غَسْلِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ كَأَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ نَوَيْتُ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ أَوْ نَوَيْتُ فَرْضَ الْغُسْلِ أَوْ نَوَيْتُ رَفْعَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ.

   (2) وَتَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ بَشَرًا وَشَعَرًا وَإِنْ كَثُفَ وَالْبَشَرُ هُوَ الْجِلْدُ وَيَجِبُ حَلُّ الضَّفَائِرِ الَّتِى لا يَصِلُ الْمَاءُ إِلَى بِاطِنِهَا إِلَّا بِحَلِّهَا.

   سُنَنُ الْغُسْلِ وَهِىَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا

   (1) التَّسْمِيَةُ أَىْ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ عِنْدَ بَدْءِ الْغُسْلِ.

   (2) وَالْوُضُوءُ قَبْلَ الْغُسْلِ.

   (3) وَالدَّلْكُ.

   (4) وَالتَّيَامُنُ أَىِ الْبَدْءُ بِالشِّقِ الأَيْمَنِ.

   (5) وَالتَّثْلِيثُ.

   (6) وَالْمُوَالاةُ.

   (7) وَتَعَهُّدُ الْمَعَاطِفِ كَمَعَاطِفِ الأُذُنَيْنِ.

   الِاغْتِسَالاتُ الْمَسْنُونَةُ وَهِىَ الِاغْتِسَالاتُ الَّتِى يُثَابُ فَاعِلُهَا وَلا يُعَاقَبُ تَارِكُهَا وَمِنْهَا

  • غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ ءَاكَدُهَا.
  • وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى.
  • وَالْغُسْلُ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ.
  • وَالْغُسْلُ لِلْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَا.
  • وَالْغُسْلُ لِلإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ.
  • وَالْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَلِلطَّوَافِ.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الأمين. أما بعد فإنَّ الْمُكَلَّفَ الَّذِى هُوَ غَيْرُ مُسْلِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ فَورًا الدُّخُولُ فِى دين الإِسْلَامِ ويجب على كلِ مسلمٍ مكلفٍ أن يثبتَ في الإسلامِ على الدوام و أن يؤديَ جميعَ الواجباتِ ويجتنبَ جميعَ المحرمات. وَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِى بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الإسلام . والْبُلُوغُ لِلذَّكَرِ يَكُونُ بِأَحَدِ أَمْرَينِ: رُؤْيَةِ الْمَنِىِّ أَو بُلُوغِ سِنِّ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ قَمَرِيَّةً، وَالأُنْثى بِأَحَدِ ثلاثة أُمُورٍ: رُؤْيَةِ الْمَنِىِّ أَوْ بُلُوغِ سِنِّ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ قَمَرِيَّةً أَوْ رُؤْيَةِ دَمِ الْحَيْضِ. أَمَّا الْعَاقِلُ فَمَعْنَاهُ غَيْرُ الْمَجْنُونِ. وَالَّذِى بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الاسلامِ هُوَ الَّذِى بَلَغَهُ أَصْلُ الدَّعْوَةِ أَىِ الشَّهَادَتَانِ، وَلَيْسَ شَرْطًا أَنْ تَبْلُغَهُ التَّفَاصِيلُ وَالأَدِلَّةُ. إِنَّمَا إِذَا كَانَ الشَّخْصُ بَالِغًا عَاقِلًا وَبَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الإسلامِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِى هَذَا الدِّينِ فَورًا. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَمَاتَ عَلَى الْكُفْرِ اسْتَحَقَّ الْخُلُودَ الأَبَدِىَّ فِى نَارِ جَهَنَّمَ. أَمَّا مَنْ كان بالغًا عاقلًا و لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَإِنَّهُ فِى الآخِرةِ لاَ مَسْئُولِيَّةَ عَلَيْهِ أَىْ لاَ يُعَذَّبُ بِالنَّارِ لأَنَّ رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}. كَذَلِكَ الَّذِى مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ هُوَ فِى الآخِرَةِ نَاجٍ وَلَوْ كَانَ يَعْبُدُ الْحَجَرَ. وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الَّذِى عَاشَ حَيَاتَهُ كُلَّهَا عَلَى الْجُنُونِ، يَعْنِى قَبْلَ الْبُلُوغِ جُنَّ ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى الْجُنُونِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إِلَى أَنْ مَاتَ، فهذا يدخل الجنة بلا عذاب. وَالدُّخُولُ فِى الإسلامِ سَهْلٌ، يَكْفِى الاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ بِمَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ النُّطْقِ بِاللِسَانِ بِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ. يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَــْــهَ إِلَّا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله أَوْ مَا يُعْطِى مَعْنَى ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِلِسَانِهِ فَلا يَصِيرُ مُسْلِمًا. وكذلك من نطق الشهادتين بلسانه ولم يصدقْ بقلبه لا يصيرُ مسلمًا عندَ الله. نسألُ الله أن يتوفّانا على كامل الإيمان، والله تعالى أعلم وأحكم.

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، اعلم رحمك الله أن نَبِيَّنَا محمد عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَرْجِعُ نَسَبُهُ إِلَى هَاشِمِ بنِ عبدِ مناف. فَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله الْهَاشِمِىُّ-يَعْنِى مِنْ بَنِى هَاشِمٍ- القُرَشِىُّ-يَعْنِى مِنْ قَبِيلَةِ قُرَيْشٍ- فَهَاشِمٌ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ أَشْرَفُ قَبَائِلِ الْعَرَبِ. وَهُوَ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ إِلَى كُلِّ الإِنْسِ وَالْجِنِّ، لَيْسَ إِلَى العَرَبِ فَقَطْ، ولا إِلَى العُجْمِ فَقَطْ، ولا إِلَى الإِنْسِ فَقَطْ، إِنَّمَا أَرْسَلَهُ رَبُّهُ إِلَى الإِنْسِ وَالْجِنِّ جَمِيعًا. ورَسُولُ الله صلّى الله عليهِ وسلّمَ وُلِدَ فِى مَكَّةَ فِى عَامِ الْفِيلِ، أَىْ فِي العَامِ الذِي غَزَا فِيْهِ أَبْرَهَةُ مَكَّةَ يُرِيدُ تَدْمِيرَ الْكَعْبَةِ هُوَ وَجُنْدُهُ وَمَعَهُمُ الأَفْيَالُ، فأَهْلَكَهُ الله وَجَيْشَهُ. وبُعِثَ أي نزل عليه الوحيُ لَمَّا كَانَ فِى سِنِّ الأَرْبَعِينَ. فَنَزَلَ الْوَحْىُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ مَا نَزَلَ ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام يسكن مَكَّةَ، ثُمَّ مَكَثَ فِي مكة بَعْدَ الْوَحْىِ نَحْوَ ثلاث عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَكَثَ فِيهَا نَحْوَ عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ تُوُفّـِىَ فِيهَا عَنْ ثلاثٍ وَسِتّـِينَ سَنَةً ودُفِنَ فِيهَا. وَمَعْرِفَةُ نَسَبِ رَسُولِ الله صلّى الله عليهِ وسلّمَ وَمَعْرِفَةُ مَكَانِ وِلادته وَمَكَانِ وَفَاتِهِ مِنَ الْمُهِمَّات. وَأَمَّا قَبِيلَةُ قُرَيْشٍ فَيَرْجِعُ نَسَبُهَا إِلَى إِسْمَاعِيلَ نَبِىِّ اللهِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ نَبِىِّ الله . وسيدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم هُوَ ءَاخِرُ نَبِىٍّ بَعَثَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ، ولا يُبْعَثُ بَعْدَهُ نَبِىٌّ. فَسَيّـِدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلام وَإِنْ كَانَ يَنْزِلُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، فَإِنَّهُ بُعِثَ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليهِ وسلّمَ ، ثُمَّ عيسى لَمَّا يَنْزِلُ يَحْكُمُ بِشَرْعِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ . أَمَّا ءَاخِرُ الأَنْبِيَاءِ بَعْثًا فَهُوَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كَمَا قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّـِينَ}. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ بَعْدَ مُحَمَّدٍ فَهُوَ كَافِرٌ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَادِيَانِيَّةِ، الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ غَلام أَحْمَد نَبِىٌّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ. غُلام أَحْمَد رَجُلٌ كافرٌ عَاشَ مُنْذُ نَحْو مِائَةِ سَنَةٍ وَادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَصَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ الآنَ الْقَادِيَانِيَّةُ نِسْبَةً لِبَلَدِهِ قَادِيَانَ. ثُمَّ إِنَّ نَبِيَّنَا عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ هُوَ أَفْضَلُ أَنْبِيَاءِ الله ، وَيَلِيهِ بِالْفَضْلِ نَبِىُّ الله إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ مُوسَى، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ نُوحٌ، صَلَوَاتُ رَبّـِى وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. نسأل الله تعالى أن يعلمَنا ما ينفعنا وأن ينفعَنا بما علمنا وأن يزيدَنا علما والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.

الحمد لله الذي أنار الوجودَ بطَلعةِ خير البرية والصلاة والسلام على صاحبِ المراتبِ العلية وعلى آله وصحبه أهلِ الفضلِ والصِدقِ والأخلاقِ الرضية. أما بعد يجبُ على كُلِّ مكلَّفٍ أَداءُ جميعِ ما أوجَبَهُ الله عليهِ. ويجبُ عليه أنْ يُؤَدِّيَهُ على مَا أَمَرَهُ الله بِهِ مِنَ الإِتْيَانِ بأَرْكانِهِ وشُروطِهِ يعنى معَ تطبيقِ الأركانِ والشروطِ، ولا يكفى مجردُ القيامِ بصُوَرِ الأعمالِ مع الإخلالِ ببعضِ الشروطِ أو الأركان. ويجبُ أنْ يجتَنِبَ الشخصُ مُبطلاتِ هذه الواجبات، وإلا يكونُ داخِلًا تحتَ حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: “رُبَّ قائِمٍ حَظُّهُ من قيامِهِ السَّهَرُ ورُبَّ صَائِمٍ حظُّهُ من صيامِه الجوعُ والعَطَشُ “. رواه ابنُ حبان. يُعْلَم من ذلك أَهَميةُ تَعَلُّمِ عِلمِ الدّين، لأنَّ مَنْ لم يتعلم الكفايةَ من هذا العلم كيف يعرفُ ما هى الشروطُ وما هى الأركانُ وما هى المبطلاتُ حتى يُؤدّىَ الشروطَ والأركانَ ويجتنبَ المبطلات؟

ويجبُ على كُلِّ مكلَّفٍ أَمْرُ مَنْ رَءَاهُ تَارِكَ شىءٍ من الفرائض أو يأتى بها على غير وَجْهِهَا بالإتيانِ بِهَا على وَجْهِهَا. الشخصُ إذا عَرَفَ مِنْ إنسانٍ أنَّه تَرَكَ فرضًا من فرائضِ الله تبارك وتعالى يجبُ عليهِ أن يأمُرَه بأداءِ هذا الفرض. أو إنْ عَرَفَ أنه يأتى به على غيرِ وجهِه الذى يَصِحُّ بِهِ يجبُ عليه أن يأمرَه بالإتيانِ به على الوجهِ الذى يصِح به. هذا إذا كان الشخصُ يُخِلُّ بفرضٍ مجمَعٍ على فرضيتهِ أو يتركُ شرطًا مجمعًا عليه.

ثم مَنْ عَلِمَ بمنكر وكان يستطيعُ أنْ يُغَيّـِرَ هذا المنكر بلسانه فعليه أن يفعل. كأن كان يعرف أنه إذا نصحَ هذا الإنسان الذى يأتـى هذا المنكر يَرْتَدِعُ هذا الإنسان. هنا يجبُ عليهِ ذلك. فإنْ كان فاعلُ المنكرِ لا يستَمِعُ للنصيحةِ وكان الشخصُ قادِرًا على قهرِهِ يجبُ عليهِ ذلك، يَقْهَرُهُ حتى يترُك المنكرَ الذى يفعَلُهُ، وهذا لحديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ رأى مِنْكُم مُنْكَرًا -يعنى من عَلِمَ منكم بمنكر- فَليُغَيّرْهُ بيدِه فإنْ لم يستَطِع فبلسانِه فإن لم يستَطِعْ فبقلبِهِ وذلكَ أضعَفُ الإيمان”، رواه البخارى. فمَنْ عَرَفَ بمنكرٍ فَغَيَّرَهُ بيدِه فهو سالم، فإِنْ عَجَزَ تَكَلَّمَ بلسانِهِ، إما يُكَلّـِمُ من يفعلُ المنكرَ أو إن كانَ لا يقبلُ منه يُكلِمُ إنسانًا يَعرفُ أنه يَقبلُ منه لِيُكَلّـِمَهُ، فإنْ فعَلَ ذلكَ فهو سالم. فإن عجزَ عن الأمرين القهرِ والأمرِ يجبُ أن يُنكرَ بقلبِهِ، فإن فعلَ ذلك فهو سالم. أما إذا لم يُنكر بقلبِهِ عند العجزِ عن القهرِ والأمرِ فهو ءاثِم. وإنكارُ المنكر بالقلب معناه أن يكرهَ هذا المنكر بقلبه. وما ذكرناه عن القهرِ والأمر مُقَـيَّدٌ بأن لا يكونَ هذا القهرُ أو الأمرُ يؤدِى إلى مُنكرٍ أعظمَ وإلا حَرُمَ. لأنَّ مِنْ شَرْطِ إنكارِ المنكر باليدِ أو باللسانِ أن لا يؤدِّىَ ذلك إلى مُنكرٍ أعظم. فانظروا يا أحبابنا إلى شدةِ أهميةِ تعليمِ الناسِ العلمَ الشرعىَّ الصحيحَ ولا سيما علمَ العقيدة، وانظروا إلى أهميةِ النهىِ عن المنكرِ ولا سيما النهىِ عن الكفر، فإنه إذا كان يجبُ نهىُ شاربِ الخمرِ عن معصيته ونهىُ السارقِ عن السرقة ونهىُ الكاذِبِ عن الكذبِ فكيفَ بالذى يقعُ فى الكفر؟! لا شك أَنّهُ واجب عظيمٌ أنْ ينهَاهُ الإنسانُ عن هذا الكفر وأن يأمرَهُ بالرجوع إلى الإسلام العظيم. ويكفى فى بيان فضلِ هذا الأمر حديثُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَحْيَا سُنَّتِى عندَ فَسَادِ أُمَّتِى كَانَ لَهُ أَجْرُ شَهِيد” رواه البيهقىّ . وما هو أجر الشهيد؟ الجنة من غيرِ عذاب. فهذا الحديثُ يُستَدَلُّ منه على أنَّ الذى تَعَلَّم العقيدةَ الصحيحة وعلَّمها للناس فى هذه الأيام يدخُلُ الجنةَ إن شاء الله مِنْ غيرِ عذاب، ولو كانت له زَلَّاتٌ. فلا ينبغى للشخصِ أن يَنْزَوِىَ ويترُكَ الأمرَ بالمعروف والنهىَ عن المنكر لا سيما إذا نَشُطَ أهلُ البِدَع فى نَشْرِ بِدَعِهِم بين المسلمين وذلك لأن إنكارَ المنكر باللسانِ معَ القدرَةِ واجب. فنسألُ اللهَ تعالى أَنْ يَسْتَعْمِلَنَا كُلَّنَا فى هذا، وأن يجعَلَنَا من الذين يَحْرِصونَ على تعليمِ عقيدةِ أهل السنة ونشرِها فى الليلِ والنهار، وأن يرزقَنَا أَجْرَ الشهداء، ولو مِتْـنَا على الفراش. والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.

 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/43]

   الزَّكَاةُ مَعْنَاهَا فِى اللُّغَةِ التَّطْهِيرُ وَالنَّمَاءُ وَشَرْعًا اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَسُمِّيَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ يَنْمُو بِبَرَكَةِ إِخْرَاجِهَا وَلِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مُخْرِجَهَا مِنَ الإِثْمِ.

   وَالزَّكَاةُ مِنْ أَعْظَمِ أُمُورِ الإِسْلامِ فَرَضَهَا اللَّهُ فِى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ.

   الأَشْيَاءُ الَّتِى تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ

   (1) الأَنْعَامُ وَهِىَ الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ.

   (2) وَالزُّرُوعُ الْمُقْتَاتَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ أَىِ الَّتِى يَدَّخِرُهَا الإِنْسَانُ عَادَةً لِيَقْتَاتَ بِهَا كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ لا الْفَوَاكِهِ كَالتُّفَاحِ وَالْبُرْتُقَالِ.

   (3) وَالثِّمَارُ وَتَجِبُ فِى شَيْئَيْنِ مِنْهَا هُمَا ثَمَرَةُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ.

   (4) وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ وَهِىَ تَقْلِيبُ الْمَالِ فِى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِغَرَضِ الرِّبْحِ كَأَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِىَ ثُمَّ يَبِيعَ وَيَشْتَرِىَ وَهَكَذَا.

   (5) وَالنَّقْدَانِ وَهُمَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ.

   وَتَجِبُ أَيْضًا زَكَاةُ الْفِطْرِ وَهِىَ زَكَاةٌ عَنِ الْبَدَنِ لا عَنِ الْمَالِ يَدْفَعُهَا الْمُكَلَّفُ عَنْ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلادِهِ الصِّغَارِ وَوَالِدَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ.

الْمُسْتَحِقُّونَ لِلزَّكَاةِ

   وَلا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَّا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَهُمُ الأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِى الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ فِى الآيَةِ ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [سُورَةَ التَّوْبَة/60]

   (1) الْفُقَرَاءُ هُمُ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِصْفَ كِفَايَتِهِمْ.

   (2) الْمَسَاكِينُ هُمُ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ كُلَّ كِفَايَتِهِمْ وَلَكِنْ يَجِدُونَ نِصْفَهَا.

   (3) الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا هُمُ الَّذِينَ يُوَظِّفُهُمُ الْخَلِيفَةُ لِجَمْعِ الزَّكَاةِ بِدُونِ رَاتِبٍ.

   (4) الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا حَدِيثًا ونِيَّتُهُمْ ضَعِيفَةٌ أَوْ كَانَ يُرْجَى بِإِعْطَائِهِمْ أَنْ يُسْلِمَ نُظَرَاؤُهُمْ.

   (5) الرِّقَابُ هُمُ الْعَبِيدُ الْمُكَاتَبُونَ أَىِ الَّذِينَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَسْيَادُهُمْ قَدْرًا مِنَ الْمَالِ لِيَصِيرُوا أَحْرَارًا.

   (6) الْغَارِمُونَ هُمُ الْمَدِينُونَ الْعَاجِزُونَ عَنِ الْوَفَاءِ.

   (7) وَأَمَّا وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ الْغُزَاةُ الْمُتَطَوِّعُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلَيْسَ كُلَّ عَمَلٍ خَيْرِىٍّ فَلا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِبِنَاءِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

   (8) ابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْمُسَافِرُ الَّذِى لَيْسَ مَعَهُ مَا يُوصِلُهُ إِلَى مَقْصِدِهِ.

شُرُوطُ الزَّكَاةِ

شُرُوطُ الزَّكَاةِ قِسْمَانِ شُرُوطُ وُجُوبٍ وَشُرُوطُ صِحَّةٍ.

  • شُرُوطُ وُجُوبِهَا خَمْسَةٌ (1) الإِسْلامُ (2) وَالْحُرِّيَّةُ (3) وَالْمِلْكُ التَّامُّ (4) وَمُضِىُّ الْحَوْلِ فِى الْمَالِ الْحَوْلِىِّ (5) وَمِلْكُ النِّصَابِ وَهُوَ قَدْرٌ لا تَجِبُ الزَّكَاةُ إِذَا لَمْ يَبْلُغْهُ الْمَالُ وَيُزَادُ عَلَيْهَا السَّوْمُ فِى كَلَإٍ مُبَاحٍ لِلْمَاشِيَةِ.
  • وَشُرُوطُ صِحَّتِهَا هِىَ

   (1) صَرْفُهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا وَهُمُ الأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ مَرَّ ذِكْرُهُمُ.

   (2) وَصَرْفُهَا لِمُسْلِمٍ وَلا يَصِحُّ دَفْعُهَا لِكَافِرٍ.

   (3) وَدَفْعُهَا لِحُرٍّ فَلا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِلرَّقِيقِ إِلَّا الْمُكَاتَبِ.

   (4) وَأَنْ لا يَكُونَ ءَاخِذُهَا مِنْ بَنِى هَاشِمٍ أَوْ بَنِى الْمُطَّلِبِ. فَالْمَنْسُوبُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ مَالِ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا مِثْلُ ءَالِ مُنَيْمِنَةَ وَالْحُوتِ وَالشَّرِيفِ وَالْكَيَّالِى وَالْجِيلانِى وَالرِّفَاعِى وَالصَّيَّادِى وَكيوَان وَالْقَادِرِى وَالْكَيْلانِى وَغَيْرِهِمْ كَثِير فَلْيُتَنَبَّهْ إِلَى ذَلِكَ.

 فَرَضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْمُكَلَّفِينَ صِيَامَ رَمَضَانَ قَالَ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/183]

أَىْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ، وَكَانَ فَرْضُهُ فِى شَعْبَانَ فِى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ.

   وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ وَأَمْرٌ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الإِسْلامِ وَالْمُسْلِمُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِقُدُومِهِ فَهُوَ شَهْرُ الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ وَالْبَرَكَاتِ وَهُوَ أَفْضَلُ شُهُورِ السَّنَةِ وَفِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِى وَهِىَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ.

   وَالصِّيَامُ هُوَ الإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفَطِّرَاتِ أَثْنَاءَ النَّهَارِ مَعَ النِّيَّةِ فِى اللَّيْلِ. وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ قَادِرٍ عَلَى الصِّيَامِ وَلا يَصِحُّ مِنَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ.

   وَيَجِبُ صِيَامُ رَمَضَانَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ

   (1) إِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ يَوْمًا.

   (2) أَوْ رُؤْيَةِ هِلالِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ يَوْمًا» رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ.

   فَمَنْ رَأَى هِلالَ رَمَضَانَ صَامَ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ وَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ عَدْلٌ حُرٌّ غَيْرُ كَاذِبٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ.

فَرَائِضُ الصِّيَامِ

وَفَرَائِضُ الصِّيَامِ اثْنَانِ

   (1) النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ كَأَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ «نَوَيْتُ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَة إِيـمَانًا وَاحْتِسَابًا للَّهِ تَعَالَى» وَالِاحْتِسَابُ طَلَبُ الأَجْرِ، وَوَقْتُ النِّيَّةِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى دُخُولِ الْفَجْرِ.

   (2) وَتَرْكُ الْمُفَطِّرَاتِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.

مُفْسِدَاتُ الصِّيَامِ

مُفْسِدَاتُ الصِّيَامِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا

   (1) الأَكْلُ وَلَوْ قَدْرَ سِمْسِمَةٍ وَالشُّرْبُ وَلَوْ قَطْرَةَ مَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ إَذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلصِّيَامِ.

   (2) وَالْقَطْرَةُ فِى الأَنْفِ وَالأُذُنِ إِذَا وَصَلَ الدَّوَاءُ إِلَى الْجَوْفِ وَكَذَلِكَ الْحُقْنَةُ فِى الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ، أَمَّا الْقَطْرَةُ فِى الْعَيْنِ فَلا تُفَطِّرُ وَالإِبْرَةُ فِي الْجِلْدِ أَوِ الْعَضَلِ أَوِ الشِّرْيَانِ لا تُفَطِّرُ أَيْضًا.

   (3) وَالإِغْمَاءُ كُلَّ الْيَوْمِ فَمَنْ أُغْمِىَ عَلَيْهِ كُلَّ الْيَوْمِ مِنْ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ لَمْ يَصِحَّ صِيَامُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ وَلَوْ لَحْظَةً أَفْطَرَ.

   (4) والِاسْتِقَاءَةُ بِوَضْعِ الإِصْبَعِ وَنَحْوِهِ فِى الْفَمِ وَإِخْرَاجِ الْقَىْءِ مِنَ الْجَوْفِ أَمَّا إِذَا تَقَيَّأَ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ شَىْءٌ إِلَى جَوْفِهِ فَلا يُفْطِرُ.

   (5) وَالرِّدَّةُ بِأَىِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهَا الثَّلاثَةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ. وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِالأَكْلِ أَوِ الشُّرْبِ أَوِ الِاسْتِقَاءَةِ فَعَلَيْهِ الإِثْمُ وَالْقَضَاءُ فَوْرًا بَعْدَ رَمَضَانَ وَيَوْمِ الْعِيدِ وَلا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الْمَالِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.

 

فَائِدَةٌ

يَحْرُمُ صِيَامُ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ عِيدِ الأَضْحَى وأَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلاثَةِ وَهِىَ الأَيَّامُ الثَّلاثَةُ الَّتِى تَلِى عِيدَ الأَضْحَى.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [سُورَةَ ءَالِ عِمْرَان/97].

   الْحَجُّ مِنْ أَعْظَمِ أُمُورِ الإِسْلامِ وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْحُرِّ الْمُسْتَطِيعِ وَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ فَيَجِبُ أَدَاؤُهُمَا فِى الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُمَا.

   وَلِلْحَجِّ مَزِيَّةٌ وَهِىَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِى يَتَزَوَّدُهُ لِحَجِّهِ حَلالًا وَأَنْ يَحْفَظَ نَفْسَهُ مِنَ الْفُسُوقِ أَىْ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ والرَّفَثِ أَىِ الْجِمَاعِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الْحَجِّ أَنَّهُ جَمَعَ أَنْوَاعَ رِيَاضَةِ النَّفْسِ أَىْ تَهْذِيبِهَا فَفِيهِ إِنْفَاقُ مَالٍ وَجَهْدُ نَفْسٍ بِنَحْوِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالسَّهَرِ وَاقْتِحَامِ مَهَالِكَ وَفِرَاقِ وَطَنٍ وَأَهْلٍ وَأَصْحَابٍ.

أَرْكَانُ الْحَجِّ والْعُمْرَةِ

   الأَرْكَانُ هِىَ مَا لا يَصِحُّ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ إِلَّا بِهَا فَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ وَلا يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِشَىْءٍ بَلْ لا بُدَّ مِنَ الإِتْيَانِ بِهِ.

وَأَرْكَانُ الْحَجِّ سِتَّةٌ هِىَ

   (1) الإِحْرَامُ أَىْ نِيَّةُ الإِحْرَامِ فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ مَثَلًا نَوَيْتُ الْحَجَّ وَأَحْرَمْتُ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى.

   (2) وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَلَوْ لَحْظَةً وَوَقْتُهُ مِنْ زَوَالِ شَمْسِ التَّاسِعِ مِنْ ذِى الْحِجَّةِ إِلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْعَاشِرِ أَىْ يَوْمِ الْعِيدِ.

   (3) وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ أَىْ أَنْ يَدُورَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ جَاعِلًا الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَيَبْدَأَ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَيُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثَيْنِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ.

   (4) وَالسَّعْىُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ولا يُشْتَرَطُ لَهُ طَهَارَةٌ.

وَيَبْدَأُ بِالصَّفَا وَينْتَهِى بِالْمَرْوَةِ.

   (5) وَالْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ وَالْحَلْقُ هُوَ إِزَالَةُ شَعَرِ الرَأْسِ كُلِّهِ أَمَّا التَّقْصِيرُ فَيَحْصُلُ وَلَوْ بِقَصِّ ثَلاثِ شَعَرَاتٍ وَالنِّسَاءُ يُقَصِّرْنَ وَلا يَحْلِقْنَ.

   (6) وَالتَّرْتِيبُ فِى مُعْظَمِ الأَرْكَانِ فَيُقَدِّمُ الإِحْرَامَ عَلَى الْجَمِيعِ وَيُشْتَرَطُ تَأْخِيرُ الْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ وَطَوَافِ الإِفَاضَةِ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ خَمْسَةٌ هِىَ

   (1) الإِحْرَامُ وَهُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِى الْعُمْرَةِ فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ مَثَلًا «نَوَيْتُ الْعُمْرَةَ وَأَحْرَمْتُ بِهَا لِلَّهِ تَعَالَى».

   (2) وَالطَّوَافُ.

   (3) وَالسَّعْىُ.

   (4) وَالْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ.

   (5) وَتَرْتِيبُ جَمِيعِ أَرْكَانِهَا عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ.

وَاجِبَاتُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ

   الْوَاجِبُ هُوَ مَا يَصِحُّ الْحَجُّ أَوِ الْعُمْرَةُ بِدُونِهِ وَلَكِنْ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِالدَّمِ وَفِى تَرْكِهِ عَمْدًا مَعْصِيَةٌ.

مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ

   (1) الإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ.

   (2) وَرَمْىُ الْجِمَارِ الثَّلاثِ الْجَمْرَةِ الصُّغْرَى وَالْجَمْرَةِ الْوُسْطَى وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِينَ حَصَاةً.

   (3) وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَهُوَ مَكَانٌ قُرْبَ عَرَفَاتٍ يَأْخُذُ مِنْهُ الْحُجَّاجُ الْحَصَى لِلرَّجْمِ.

   (4) وَالْمَبِيتُ بِمِنًى وَهُوَ مَكَانٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى مَكَّةَ.

   (5) وَطَوَافُ الْوَدَاعِ.

مَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ

   يَجِبُ ذَبْحُ شَاةٍ عَلَى مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ. وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الذَّبْحِ صَامَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ.

الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ

وَمِنْ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ شَيْئَانِ مُحَرَّمَانِ عَلَى الرَّجْلِ فَقَطْ وَهُمَا

   (1) سَتْرُ رَأْسِهِ.

   (2) وَلُبْسُ مُحِيطٍ بِخِيَاطَةٍ أَوْ لِبْدٍ أَوْ نَحْوِهِ.

وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ

   (1) سَتْرُ وَجْهِهَا.

   (2) وَلُبْسُ قُفَّازٍ.

وَيَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِى حَالِ الإِحْرَامِ

   (1) التَّطَيُّبُ.

   (2) وَدَهْنُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ بِمَا يُسَمَّى دُهْنًا كَالزَّيْتِ وَنَحْوِهِ.

   (3) وَإِزَالَةُ الشَّعَرِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ.

   (4) وَعَقْدُ الزِّوَاجِ.

   (5) وَصَيْدُ مَأْكُولٍ بَرِّىٍّ وَحْشِىٍّ كَالْغَزَالِ وَالْحَمَامِ.

 الإِخْلاصُ فِى الْعِبَادَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْوَاجِبَةِ وَهُوَ مِنَ الأَخْلاقِ الْحَسَنَةِ.

   وَمَعْنَى الإِخْلاصِ فِى الْعِبَادَةِ إِخْلاصُ الْعَمَلِ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ أَىْ أَنْ لا يَقْصِدَ بِعَمَلِ الطَّاعَةِ مَحْمَدَةَ النَّاسِ وَالنَّظَرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الِاحْتِرَامِ وَالتَّعْظِيمِ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الإِخْلاصَ شَرْطًا لِقَبُولِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.

   قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [سُورَةَ الْكَهْف/110]

   وَالْمُخْلِصُ هُوَ الَّذِى يَقُومُ بِأَعْمَالِ الطَّاعَةِ مِنْ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَحَجٍّ وَزَكَاةٍ وَقِرَاءَةٍ لِلْقُرْءَانِ وَغَيْرِهَا ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ مِنَ اللَّهِ وَلَيْسَ لِأَنْ يَمْدَحَهُ النَّاسُ وَيَذْكُرُوهُ فَالْمُصَلِّى يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ فَقَطْ لا لِيَقُولَ عَنْهُ النَّاسُ فُلانٌ مُصَلٍ لا يَتْرُكُ الْفَرَائِضَ وَالصَّائِمُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صِيَامُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ فَقَطْ وَكَذَلِكَ الأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُزَكِّى وَالْمُتَصَدِّقِ وَقَارِئِ الْقُرْءَانِ وَلِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ بِرٍ وَإِحْسَانٍ قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» قِيلَ وَمَا إِتْقَانُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «يُخْلِصُهُ مِنَ الرِّيَاءِ وَالْبِدْعَةِ» رَوَاهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِىُّ.

   الرِّيَاءُ وَيُقَابِلُ الإِخْلاصَ

   الرِّيَاءُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْصِدَ الإِنْسَانُ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ كَالصَّوْمِ وَالصَّلاةِ وَغَيْرِهِمَا مَدْحَ النَّاسِ وَإِجْلالَهُمْ لَهُ.

   وَالرِّيَاءُ يُحْبِطُ ثَوَابَ الْعَمَلِ الَّذِى قَارَنَهُ فَأَىُّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ لا ثَوَابَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مُجَرَّدَ قَصْدِهِ الرِّيَاءُ أَوْ قَرَنَ بِهِ قَصْدَ طَلَبِ الأَجْرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

   العُجْبُ بِطَاعَةِ اللَّهِ

   أَمَّا العُجْبُ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ شُهُودُ الْعِبَادَةِ صَادِرَةً مِنَ النَّفْسِ غَائِبًا عَنِ الْمِنَّةِ أَىْ أَنْ يَشْهَدَ الْعَبْدُ عِبَادَتَهُ مَحَاسِنَ أَعْمَالِهِ صَادِرَةً مِنْ نَفْسِهِ غَائِبًا عَنْ شُهُودِ أَنَّهَا نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَىْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِى تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِهَا فَأَقْدَرَهُ عَلَيْهَا وَأَلْهَمَهُ أَنْ يَقُومَ بِهَا.

   وَالرِّيَاءُ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْعُجْبُ بِطَاعَةِ اللَّهِ مَعْصِيَتَانِ مِنْ مَعَاصِى الْقُلُوبِ وَخَصْلَتَانِ رَدِيئَتَانِ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَجْتَنِبَهُمَا وَيَكُونَ مُخْلِصًا فِى عِبَادَتِهِ للَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَنَالَ الثَّوَابَ.

 عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِى تَوَعَّدَ اللَّهُ فَاعِلَهَا بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ فِى النَّارِ وَمَعْنَى الْعُقُوقِ أَنْ يُؤْذِىَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَذًى لَيْسَ بِهَيِّنٍ وَإِيذَاءُ الوَالِدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ أَذًى شَدِيدًا أَوْ خَفِيفًا حَرَامٌ.

   وَمِنَ الأَمْثِلَةِ عَلَى الْعُقُوقِ شَتْمُ الأُمِّ أَوِ الأَبِ أَوْ ضَرْبُ الأُمِّ أَوِ الأَبِ أَوْ إِهَانَتُهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا.

   وَمِنْ جُمْلَةِ الْعُقُوقِ إِذَا أَطَاعَ الْوَلَدُ أُمَّهُ عَلَى ظُلْمِ أَبِيهِ أَوْ أَطَاعَ أَبَاهُ عَلَى ظُلْمِ أُمِّهِ وَلا يَنْفَعُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ أَطَاعَ أُمَّهُ وَظَلَمَ أَبَاهُ لِأَنَّهُ لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِى مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ فَنُصْرَةُ أَحَدِ الأَبَوَيْنِ فِى ظُلْمِ الآخَرِ حَرَامٌ.

   قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا﴾ [سُورَةَ الإِسْرَاء]

   وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ أَىْ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ لا يُعْبَدَ سِوَاهُ وَبِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَقُلْ لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ أَىْ قَوْلًا لَيِّنًا لَطِيفًا فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَهَى عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا أُفٍّ وَهَذَا مِنَ الْكَبَائِرِ وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُقَالَ لَهُمَا الْقَوْلُ الْكَرِيمُ أَىِ اللَّيِّنُ لا سِيَّمَا عِنْدَ الْكِبَرِ وَأَنْ نُخْفِضَ لَهُمَا الْجَنَاحَ بِأَنْ نُكَلِّمَهُمَا بِأَدَبٍ وَاحْتِرَامٍ.

 

 

   عَذَابُ الْعَاقِّ لِوَالِدَيْهِ

   إِنَّ عَذَابَ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَظِيمٌ حَيْثُ إِنَّ عَاقَّهُمَا لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ الأَوَّلِينَ بَلْ يَدْخُلُهَا بَعْدَ عَذَابٍ شَدِيدٍ مَعَ الآخِرِينَ إِنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الذَّنْبَ هُوَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ» رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ، أَىْ لا يَدْخُلُهَا مَعَ الأَوَّلِينَ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ كَافِرٌ مَحْرُومٌ مِنَ الْجَنَّةِ.

   ءَايَاتٌ قُرْءَانِيَّةٌ فِى الْحَثِّ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ

   قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ﴾ [سُورَةَ لُقْمَان/14] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [سُورَةَ النِّسَاء /36].

   فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرْءَ مَهْمَا كَانَ مُوَاظِبًا عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْفَرَائِضِ إِذَا كَانَ عَاقًّا لِوَالِدَيْهِ يُؤْذِيهِمَا أَذًى شَدِيدًا بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمُتَّقِينَ الصَّالِحِينَ. فَاحْرِصْ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَإِيَّاكَ وَالْعُقُوقَ فَإِنَّكَ إِمَّا أَنْ تَمُوتَ قَبْلَهُمَا أَوْ يَمُوتَا قَبْلَكَ فَلا تُفَوِّتْ هَذَا الفَضْلَ الْعَظِيمَ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ.

الرِّدَّةُ هِىَ الْخُرُوجُ عَنِ الإِسْلامِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَحْفَظَ إِسْلامَهُ وَيَصُونَهُ عَنْ هَذِهِ الرِّدَّةِ الَّتِى تُفْسِدُهُ وَتُبْطِلُهُ وَتَقْطَعُهُ وَالعِياذُ بِاللَّهِ تَعَالَى.

   أَقْسَامُ الرِّدَّةِ: الرِّدَّةُ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ كَمَا قَسَّمَهَا الْعُلَمَاءُ كُفْرٌ اعْتِقَادِىٌّ وَكُفْرٌ فِعْلِىٌّ وَكُفْرٌ قَوْلِىٌّ.

  وَكلُّ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ الرِّدَّةِ يَدْخُلُ تَحْتَهُ شُعَبٌ كَثِيرَةٌ.

   (1) الْكُفْرُ الِاعْتِقَادِىُّ كَنَفْىِ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ عَاجِزٌ أَوْ جَاهِلٌ أَوِ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ أَوْ ضَوْءٌ أَوْ رُوحٌ أَوْ أَنَّهُ يَتَّصِفُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوِ اعْتِقَادِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ حَلالٌ أَوْ أَنَّ السَّرِقَةَ حَلالٌ أَوِ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الصَّلَواتِ الْخَمْسَ أَوْ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوِ الزَّكَاةَ أَوِ الْحَجَّ.

   (2) الْكُفْرُ الفِعْلِىُّ كَإِلْقَاءِ الُمُصْحَفِ أَوْ أَوْرَاقِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ عَمْدًا فِى الْقَاذُورَاتِ أَوِ السُّجُودِ لِصَنَمٍ أَوْ لِشَمْسٍ أَوْ مَخْلُوقٍ ءَاخَرَ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَكَكِتَابَةِ الآيَاتِ الْقُرْءَانِيَّةِ بِالْبَوْلِ.

   (3) الْكُفْرُ الْقَوْلِىُّ كَسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبِّ نَبِىٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ أَوْ مَلَكٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ أَوْ سَبِّ الإِسْلامِ أَوِ الْقُرْءَانِ أَوِ الِاسْتِهْزَاءِ بِالصَّلاةِ أَوِ الصِّيَامِ أَوِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ.

  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِى بِهَا فِى النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ، أَىْ مَسَافَةَ سَبْعِينَ عَامًا فِى النُّزُولِ وَذَلِكَ مُنْتَهَى قَعْرِ جَهَنَّمَ وَهُوَ خَاصٌّ بِالْكُفَّارِ وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِى الْوُقُوعِ فِى الْكُفْرِ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ وَلا انْشِرَاحُ الصَّدْرِ وَلا اعْتِقَادُ مَعْنَى اللَّفْظِ وَلا نِيَّةُ الْكُفْرِ.

   وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَكْثَرُ خَطَايَا ابْنِ ءَادَمَ مِنْ لِسَانِهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِىُّ.

   وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ اعْتِقَادٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَافٍ بِاللَّهِ أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ أَوْ مَلائِكَتِهِ أَوْ شَعَائِرِهِ أَوْ مَعَالِمِ دِينِهِ أَوْ أَحْكَامِهِ أَوْ وَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ كُفْرٌ فَلْيَحْذَرِ الإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ.

   فَائِدَةٌ. قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنْكَارُ مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كُفْرٌ وَمَعْنَى كَوْنِ الأَمْرِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرُ مَعْلُومًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عُلَمَائِهِمْ وَعَوَامِّهِمْ لَيْسَ أَمْرًا لا يَعْرِفِهُ إِلَّا الْعُلَمَاءُ وَذَلِكَ كَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَوُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَحِلِّ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَحُرْمَةِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الأُمُورَ لا تَخْفَى عَلَى الْمُسْلِمِ مَهْمَا كَانَ جَاهِلًا.

   وَلْيُعْلَمْ أَنَّ مَنْ كَفَرَ لا يَرْجِعُ إِلَى الإِسْلامِ إِلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَنِ الْكُفْرِ فَلا يَرْجِعُ الْكَافِرُ إِلَى الإِسْلامِ بِقَوْلِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بَلْ يَزِيدُهُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلا تَنْفَعُهُ الشَّهَادَتَانِ مَا دَامَ عَلَى كُفْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ.

 ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مَعْرِفَةُ ثَلاثَ عَشْرَةَ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَهِىَ الْوُجُودُ وَالْوَحْدَانِيَّةُ وَالْقِدَمُ وَالْبَقَاءُ وَالْقِيَامُ بِالنَّفْسِ وَالْقُدْرَةُ وَالإِرَادَةُ وَالْعِلْمُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْحَيَاةُ وَالْكَلامُ وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ وَشَرْحُهَا كَمَا يَلِى

   (1) الْوُجُودُ: يَجِبُ الإِيـمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ لا شَكَّ فِى وُجُودِهِ تَعَالَى وَهُوَ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ وَلا يَجْرِى عَلَيْهِ زَمَانٌ. 

   (2) الْوَحْدَانِيَّةُ: اللَّهُ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ وَاحِدٌ فِى ذَاتِهِ وَوَاحِدٌ فِى صِفَاتِهِ وَوَاحِدٌ فِى فِعْلِهِ.

   (3) الْقِدَمُ: اللَّهُ أَزَلِىٌّ لا بِدَايَةَ لِوُجُودِهِ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْمَخْلُوقَاتِ.

   (4) الْبَقَاءُ: اللَّهُ أَبَدِىٌّ لا نِهَايَةَ لَهُ لا يَفْنَى وَلا يَبِيدُ.

   (5) الْقِيَامُ بِالنَّفْسِ: اللَّهُ تَعَالَى لا يَحْتَاجُ إِلَى شَىْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَكُلُّهَا مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ.

   (6) الْقُدْرَةُ: اللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ.

   (7) الإِرَادَةُ: أَىِ الْمَشِيئَةُ فَكُلُّ شَىْءٍ يَحْصُلُ فِى الْعَالَمِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ.

   (8) الْعِلْمُ: اللَّهُ عَالِمٌ بِكُلِّ الأَشْيَاءِ قَبْلَ حُصُولِهَا.

   (9) السَّمْعُ: اللَّهُ تَعَالَى يَسْمَعُ الْمَسْمُوعَاتِ كُلَّهَا بِدُونِ أُذُنٍ وَلا ءَالَةٍ أُخْرَى.

   (10) الْبَصَرُ: اللَّهُ يَرَى كُلَّ الْمَرْئِيَاتِ بِدُونِ حَدَقَةٍ وَلا ءَالَةٍ أُخْرَى.

   (11) الْحَيَاةُ: اللَّهُ حَىٌّ بِدُونِ رُوحٍ وَلَحْمٍ وَقَلْبٍ فَحَيَاتُهُ لا تُشْبِهُ حَيَاتَنَا وَهُوَ حَىٌّ لا يَمُوتُ.

   (12) الْكَلامُ: اللَّهُ يَتَكَلَّمُ بِدُونِ لِسَانٍ وَشَفَتَيْنِ وَكَلامُهُ لَيْسَ لُغَةً عَرَبِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا لِأَنَّهُ خَالِقُ اللُّغَاتِ وَالْحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ وَكَلامُهُ لا يُشْبِهُ كَلامَ الْعَالَمِينَ.

   (13) الْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ: اللَّهُ تَعَالَى لا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَاتِ.